بقلم : عائشة سلطان
«في حياة كل منا كتاب سحري.. يلتصق بحياتك ويؤثر فيها، وتقرأ عن نفسك فيه، فكن حريصاً في اختيار قدرك» وردت هذه العبارة على لسان حارس مقبرة الكتب المنسية في مدينة برشلونة حسب أحداث رواية «ظل الريح» للإسباني كارلوس زافون، والتي ترجمها باقتدار وحرفية معاوية عبدالمجيد العام 2015، وأعادت دار الجمل طباعتها للمرة الثالثة منذ عدة أيام.
لا داعي هنا للتأكيد أنه لا مقبرة منسية للكتب تحت طبقات مدينة برشلونة كما ورد في الرواية، لكنها مقتضيات العمل الذي اختار له مؤلفه جواً مليئاً بالغموض على طريقة روايات الجريمة، والتشويق كما في روايات الواقعية السحرية اللاتينية فنجح في أن يقود القارئ بتبصر شديد في طرقات وأحياء برشلونة الضيقة، وعبر فترة زمنية حافلة بالتردي السياسي في بدايات القرن العشرين، ومن خلال حكاية بائع الكتب سامبيزي وابنه الصغير ومساعدهم ذي الشخصية الكارزمية التي لا يمكن نسيانها برغم بؤسه ومفارقاته، هذه الخطوط الرئيسية «الزمن والمكان والشخوص» مضافاً إليها البناء الروائي المحكم وشديد التعقيد والتداخل، يجعل من الصعب وضع هذه الرواية جانباً، أو إهمالها لبعض الوقت، لأنها تمسك بك وتغرقك فيها بشكل غريب جداً!
كارلوس زافون كاتب إسباني متخصص في الكتابة للأطفال، وتعد هذه الرواية عمله السردي الأول للكبار، وقد حقق نجاحاً ساحقاً على مستوى النقاد والجماهير وعلى مستوى الترجمة للغات الأخرى «مقبرة الكتب رواية مكونة من أربعة أجزاء هذا جزؤها الأول»، فما الذي أنجح رواية ظل الريح بهذا الشكل؟
إنها الحرفية في كتابة عمل روائي مدروس ومتقن أولاً، ثم معرفة الخلطة الدقيقة لضمان نجاح الرواية، إضافة للحساسية الشديدة في انتقاء الفكرة والعناية باللغة، ورابعاً فإن الحكايات المروية ضمن الحكاية الأساسية كانت أمراً لافتاً وتم تنفيذه بعناية شديدة، فوسط قصة البطل «كاراكس» الرجل المقنع الذي يبحث عن آخر نسخ لكتابه ليحرقها والذي أحب فتاة اتضح أنها شقيقته وأنجب منها طفلاً، وسط هذه الرواية الأساسية الأقرب للأسطورة الإغريقية، تناسلت روايات وأبطال لا حصر لهم سارت أقدارهم في خطوط متوازية ومتقاطعة مع قدر البطل كراكس زمنياً ومكانياً أيضاً!
«ظل الريح» رواية تسكنك حتى بعد أن تنتهي من قراءتها، ثم لا يعود بإمكانك أن تنساها، لأن روح مؤلفي الكتب، والكتب نفسها تخرج من عتمة تلك المقبرة لتتلبسك من دون أن تشعر، إنها رواية تجعلك تقيس قراءاتك واختياراتك عليها في ما بعد، مما يعلي سقف خياراتك ويحدد شكل ونوعية ما تقرأ.