متحف الأيام البريئة

متحف الأيام البريئة

متحف الأيام البريئة

 صوت الإمارات -

متحف الأيام البريئة

بقلم : عائشة سلطان

إذا ضاق صدر المرء بأمر، وما أكثر هذه الأمور، سارع كغريق إلى أقرب يد تمد إليه أو يخيل إليه أنها مدت إليه، إلى أكثر الأشياء التي يستريح لها وإليها، إلى مكان بعينه يعني له ما يعني، أو إلى شخص محدد وليس لأي شخص سواه.

كلنا ذلك الإنسان الباحث في لحظات الوهن عن قشة، أو صوت أو نصيحة، فالحياة لم تترك لأي منا فرصة التباهي بصفة (خالي القلب أو خالي البال) كلنا يضيق صدرنا بالفقد، وبالفشل، بالخسارات والتفاهات الكثيرة وانكسار الأحلام، بتعب الحياة الذي يبدو كنفق لا ضوء في نهايته، فنضيق بما نسمع، ونرى، ونتذكر، ثم يشرق الصباح حاملاً ضوءه، لكن حتى ذلك الإشراق ماذا نحن فاعلون؟

كنت أرى أمي في سنوات بعيدة مضت، وإذا أشرق صبح قضت ليله تعد همومها وتقلبها وقد أثقلت كاهلَها مسؤوليات حياتنا التي غدت صعبة بعيد رحيل والدي، أراها قد أزاحت أستار غرفتها، وارتدت ثياب خروجها، وتلفعت بالسواد حتى أخمص قدميها، لا يكاد يبين منها إلا أصابع يديها، تطلب سيارة أجرة أو تطلب من أحد إخوتي مرافقتها إلى حيث اعتادت أن تذهب لتتخفف من أحمال الهموم تلك، إلى ذلك الحي الذي ضاعت ملامحه وسط طوفان التحولات.

تلك هي والدتي التي لن أقابل في حياتي إنساناً وفياً لأمسه وذاكرته وأهله وحيّه الذي نشأ وتربى فيه مثلها، أكاد أتلمس بأطراف أصابعي خريطة المدينة موشومة على قلبها، تغمض عينيها وتسير بهدي الرائحة وجرس الأسماء التي تحفظها اسماً اسماً، تمشي في أحشاء ذلك المكان بعين ذاكرتها، بعين الذاكرة تتنقل كفتاة لم تغادر سابعتها، فأتعجب كيف تحتفظ الذاكرة بطزاجتها إلى هذا الحد، وكيف لإنسان أن يحرس أشجار أيامه بهذه الصلابة المرنة؟

ثم أخشى كثيراً ألا أكون في منزلة تليق بوارث ذاكرة كذاكرتها، ماطرة بالحكايات وأسماء النساء والرجال والعائلات والأساطير والخرافات، والحوادث التي جرت في تلك الأيام الصعبة، الحوادث التي تقال والتي لا تقال، أخشى أن أنسى ولذلك أكتب دائماً حتى لا يضيع مني الدفتر الكبير، دفتر حارس الأيام التي تقول أمي إنها جميلة.

أخذتني معها ذات صباح، ترجلنا وسط السوق، دلفنا من أزقة تفوح بأطعمة شرقية صارخة، يكاد زيتها يحرق القلب، مشيت حذوها، وكان يمشي من خلفي وأمامي بشر بأسماء لا تعرفها أمي، بروائح لا تحبها وبعيون لا علاقة لها بالمكان، كانوا يتزاحمون في طرقات المنطقة التي لم تكن بالنسبة لها كأي مكان آخر في دبي، كانت تمشي على أطراف قلبها لا على قدميها، تلك الطرقات الضيقة التي مشيتها معها كانت في «حي الراس» أحد أقدم أحياء ديرة وأحنها في ذاكرة أمي.

لا نعيش طبيعياً بلا ذاكرة أو حين نقطع صلتنا بها، لا يكون الإنسان معافى تماماً في روحه كما في جسده بلا ذاكرة، الذاكرة حياة ومتحف الأيام التي كانت بريئة.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متحف الأيام البريئة متحف الأيام البريئة



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 21:47 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد يستقبل وزير الشؤون الخارجية في الهند
 صوت الإمارات - عبدالله بن زايد يستقبل وزير الشؤون الخارجية في الهند

GMT 21:21 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
 صوت الإمارات - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 21:21 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تشوق جمهورها لعمل فني جديد
 صوت الإمارات - نانسي عجرم تشوق جمهورها لعمل فني جديد

GMT 21:21 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

غوغل تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات
 صوت الإمارات - غوغل تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات

GMT 14:42 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 17:17 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 19:08 2015 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

طقس فلسطين غائمًا جزئيًا والرياح غربية الأربعاء

GMT 02:06 2016 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

"سامسونغ" تطلق Galaxy S7 قريبًا

GMT 14:46 2014 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاق كتاب للشيخة اليازية بنت نهيان بن مبارك آل نهيان

GMT 22:58 2015 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

سامسونغ تربح المليارات والفضل للهاتف "S6"

GMT 14:40 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

كلاب الدرواس تهاجم الناس وتقتل المواشي في مقاطعة صينية

GMT 07:31 2013 السبت ,24 آب / أغسطس

الصين ضيفة شرف معرض إسطنبول للكتاب

GMT 04:15 2016 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

ديمو P.T يعاد تطويره في لعبة Dying Light

GMT 09:00 2015 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

شركة "سوني" تكشف رسميًا عن هاتفها "إكسبريا زي 4"

GMT 06:14 2014 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

كوثر نجدي تطرح مجموعة جذّابة من فساتين السهرة

GMT 05:31 2018 الأحد ,18 شباط / فبراير

نادي الفروسية في الرياض ينظم حفل سباقه الـ"52"

GMT 11:23 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

جمعية "أم القيوين" الخيرية تتفاعل مع المسنين في عام زايد

GMT 14:49 2016 الخميس ,03 آذار/ مارس

المخ يدخل في صمت عندما نتحدث بصوت عال
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates