بقلم : عائشة سلطان
لو أننا سألنا أشخاصاً عدة هذا السؤال: «كيف تكوّنا وصرنا على ما نحن عليه؟»، لأجاب كل واحد منهم إجابته التي لن تذهب بعيداً جداً عن إجابات الآخرين في بعض مفاصلها الأساسية، فمن منا لم تصنعه أسرته، ولم تكونه كلمات والده الصارمة، وتعليمات أمه الثابتة، حتى وهو يخطو نحو الشباب؟ من منا لم تختلط في شخصيته توجيهات المعلم والأخ الأكبر والزعيم السياسي؟
وغيرهم ممن تقاسموه صغيراً ومراهقاً وشاباً، دون أن يتركوا له فرصة أن يحلق فوقهم، ليرى الأشياء من بعيد، فيختار لنفسه الصورة التي يحب أن يكونها إذا كبر، والطريق الذي يشعر بالثقة وهو يعبره في الحياة!
كآباء نحن مفتونون بسلطتنا، نؤمن بقداسة هذه السلطة، وبأنها حقنا الإلهي الذي يخولنا أن نقود أبناءنا إلى الطرقات التي نراها نحن مناسبة لهم: عند اختيار تخصصهم الدراسي، عند اختيار نوعية ثيابهم، عند اختيار مهنهم التي سيمتهنونها في المستقبل، هواياتهم المحببة، أصدقاؤهم، توجهات الكتب التي يقرؤونها، شركاء الحياة وحتى أسماء الأبناء، لم يبق سوى أن يضع البعض أبناءه في غرف مقفلة ويعيش الحياة نيابة عنهم!
تقديس السلطة الأبوية جزء من إشكالية الأسرة العربية، وعدم الثقة بمن نربيهم أو نتعامل معهم أو نرأسهم مكون رئيس في الشخصية المهيمنة في الأسرة أو العمل التي لا تؤمن بحق الآخرين في التعلم بطريقة التجربة والخطأ، أما فرض الرأي انطلاقاً من قناعة راسخة أن الأكبر يعرف أكثر، لأنه جرب أكثر وفهم الحياة أكثر.
فهذه كارثة أخرى لا تقضي على قدرات الأبناء في التعبير عن النفس والرأي فقط، ولكنها تستبدل بقدراتهم وإمكانياتهم الحقيقية قدرات زائفة يستعيرونها من قناعات الآخرين، ويلتزمون بها مكرهين أحياناً، وإن كان الوضع قد تغير بعض الشيء، إلا أن هناك من لا يزال متمسكاً بطريقة التربية هذه؟
يريد ذلك الطفل أن يصبح رساماً، ومن خلال شغفه وخطوط أصابعه الصغيرة الواثقة يبدو واضحاً أنه خُلق لذلك، لكن والده يرى عكس ذلك، وعليه أن يرى ما يراه والده، فذلك أفضل لمستقبله، وتلك الصغيرة تريد أن تتعلم كتابة القصص للأطفال.
فتصرخ بها والدتها أن تهتم بدروسها وتترك هذا الهراء، لأن عليها أن تصبح طبيبة أطفال لا كاتبة أطفال، الأمر لا يتعلق بالأطفال، فهذه هي البداية، لكنه يستمر حتى يصل هؤلاء إلى الجامعة وما بعدها، ثم نبحث عن شخصيات قوية واثقة بنفسها وقدراتها، مؤمنة بمستقبلها وتصدق طاقة روحها الخلاقة، كيف؟