بقلم : عائشة سلطان
المشاهير من البشر في الحياة العامة أنواع وأصناف، وفي شتى مجالات النشاط الإنساني، هناك مشاهير مبدعون، جاءت شهرتهم نتيجة فعل إبداعي، كأن يكون الواحد فيهم كاتباً أو روائياً أو شاعراً أو رساماً أو نحاتاً أو ممثلاً سينمائياً، أو أي عمل قام على المخيلة والذكاء والابتكار معززاً بالعمل الدؤوب والمثابر، بحيث لا يمكن تصور شهرة نجيب محفوظ إذا لم تقف وراءها نفس عظيمة متطلعة للمجد، كما أن العالم ما كان سيحظى بمسرح عظيم كمسرح وليم شكسبير لولا موهبة وجهد هذا الكاتب الكبير.
إن الشهرة لم توات الرسام الشهير فنسنت فان جوخ في حياته رغم المرارات التي قاساها، ولم يتمكن من أن يبيع في حياته سوى لوحة واحدة، لكنه اليوم ملء السمع والبصر ولوحاته تباع بملايين الدولارات، وحتى مراسلاته نشرت بكل التبجيل المستحق بعد وفاته بسنوات كأنه أحد أعظم الكتاب، هذا كله لم يأت من فراغ، ولم يحدث بالصدفة أو بطريقة تافهة أو سطحية، لقد تحققت لهؤلاء هذه الشهرة العريضة نتيجة بذل جهود حقيقية ومتواصلة!
وهناك مشاهير أنتجتهم مواقع التواصل لا أكثر، لذلك يحدث اليوم أن تسمع عن مشهور تتسابق على استضافته كبرى الشركات ليروّج لها بضائعها، نظراً للقاعدة الجماهيرية التي تتابعه على مواقع التواصل الاجتماعي، أو عمّن تلهث خلفها شركات تصنيع مواد الزينة، أو عمّن تسعى لها أو له منظمات ومؤسسات ليكون سفيراً لها، سفيراً للنوايا الحسنة، وسفيراً لبيوت الأزياء، وسفيراً لاسم تجاري يصنع المجوهرات أو حقائب اليد وهكذا، بحيث ينحصر إبداع هؤلاء في استغلال ثقافة الاستهلاك عند طبقات وشرائح عمرية واجتماعية محددة (كالمراهقين والأطفال مثلاً) وبالتالي يبدؤون في مهاجمة مراكز التنبه والاستلاب تجاه ما يشكل قيمة مهمة عند الناس كالطعام والثياب ولوازم المكياج... الخ، فلا جهد يبذله هؤلاء سوى تلمس حالات الشره الاستهلاكي وتنميته وإعلاء شأنه والعزف بنعومة وإصرار على أوتاره!
المشاهير من أهل هذا الزمان، فهم يشبهون زمانهم، والزمان ينتج أناسه وأفكاره ويهندس أشكال وعقول أهله، وليس شرطاً أن تكون ذا قيمة حقيقية لتحظى بالشهرة في أيامنا. يكفي أن تعرف ما الذي يثير اهتمام القطيع ويرفع سقف استهلاكهم ويغازل (أنا) الظهور والمباهاة المادية عندهم فتعزف بحنان ودأب عليها!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان