بقلم : عائشة سلطان
أنت متقاعد من وظيفتك، مضى عليك حتى الآن عدة سنوات، تلك ليست كارثة أو أزمة مطلقاً، كما أنك لا تعاني من مشكلة أو مرض ما، هذا واقع مر ويمر وسيمر به ملايين البشر في كل مكان، فالجميع في كل مكان يعملون حتى سن معينة، يشتغلون بأقصى طاقتهم الجسدية والذهنية، إلى أن تأتي تلك اللحظة التي يقول لهم فيها القانون أو يقولون هم لأنفسهم: لقد حان وقت التوقف، وجاء وقت الراحة والاستمتاع بما تبقى لي من العمر.
هناك من يتقاعد باكراً جداً، لأنه وجد فرصاً أفضل وأكثر فائدة وملاءمة له، وهناك من يؤجل هذه الخطوة حتى آخر دقيقة، يعتمد ذلك على الخطط البديلة التي يمتلكها كل إنسان لمرحلة ما بعد التقاعد، والأنشطة المتوافرة في مجتمعه أو في الحي الذي يعيش فيه والتي ستملأ وقت الوظيفة السابقة، بحيث لن يشعر أبداً أنه انتقل من كونه موظفاً إلى شخص يعيش الوقت تحت ضغط الفراغ القاتل.
إن وجود خطط وأنشطة بديلة ستحول سنوات التقاعد إلى سنوات منتجة أيضاً! وبهذا فقط يتحول التقاعد إلى مرحلة جديدة في حياة الإنسان لا إلى مشكلة حقيقية وضاغطة جداً قد تقود صاحبها إلى الاكتئاب أو الصمت والانسحاب والشعور باللاجدوى من أي شيء في الحياة.
نقترح على الجهات المختصة بالمعاشات والمتقاعدين أو بالشؤون الاجتماعية أن تنشئ مكاتب استشارية تقدم نصائح واستشارات مجانية للمتقاعدين، الذين ما زالوا قادرين على العطاء والعمل والمشاركة، بحيث توجههم إلى جهات ومؤسسات ترغب في الإفادة من خبراتهم كما توظف أوقاتهم بشكل منتج وفاعل، بدل أن يضيع هذا الوقت في النوم والتبرم والشكوى والعبث وجلسات المقاهي، ثم الانسحاب والاكتئاب.
كما يمكن تكوين جمعية أو تجمع معين يقدم خدمات تعزيز وتوظيف أوقات المتقاعدين عن طريق تنظيم رحلات وأسفار وجلسات معينة ومشاركات اجتماعية وزيارات لمؤسسات الأطفال والخدمات الإنسانية والخيرية لمن يرغب ولمن عجز عن إيجاد طرق فاعلة للإفادة من وقته.
ما يجعل المتقاعد يسقط في الاكتئاب والتوتر هو شعوره بعدم أهميته وفائدته، وبأن أيامه تمر بشكل متتالٍ ومتشابه دون قيمة ودون جديد، وهنا يحتاج هذا الإنسان المتقاعد لأن ينتشل نفسه أو ليد تنتشله من قسوة الوقت الفارغ. طبعاً لن ننسى التنويه بأن كل تقلبات الأسعار ومتطلبات الحياة الصعبة تصيب هؤلاء المتقاعدين كما تصيب غيرهم، وهذا يضاعف من حزنهم وحساسيتهم، والالتفات إلى أوضاعهم أمر في غاية الضرورة.
نقلا عن البيان