بقلم - عائشة سلطان
منذ الأزل والإنسان يمشي عبر جهات الأرض يرافقه ألف حلم وحلم، ويقطع الزمن مخفوراً بالأسئلة باحثاً عن الإجابات، أول أحلامه أن يترك خلفه حكاية تقول للذين سيرثون كهفه وحقله وأرضه: كيف قضى أيامه، كيف اصطاد فريسته، كيف أوقد النار وطها طعامه، وكيف اخترع ثيابه وعرف كيف يخط الحرف الأول على جدران الكهف وأخشاب الغابة، لقد كان اكتشاف اللغة واختراع الكتابة هما الانفجار الأول في ثورة المعرفة، والخطوة الأولى باتجاه تقنيات التواصل!
عندما تم تفكيك شيفرة الخطوط واللغات القديمة، عرف إنسان اليوم ما كان من أمر الحضارات العظيمة التي سادت ثم بادت، لقد أيقن أن لا شيء يُكتب يمكن أن يبيد، أو يُنسى، أو يضيع، كل ما يُحفر ويُكتب يثبت إلى الأبد!
ولا يزال الإنسان يتفقد العالم حوله، ويمشي محفوراً بالدهشة، ومخفوراً بالأسئلة، وراغباً في التواصل، وكأني بالتواصل احتياجاً وطبيعةً جُبِل عليها الإنسان كما جُبِل على حب النفس والمال والبنين، لذلك قسَّم العلماء مراحل تطور الإنسانية بأهم الثورات التي حدثت في عالم المعرفة وتقنيات التواصل، معتبرين أن اختراع الكتابة هو الثورة الأولى التي غيّرت مصير وشكل التاريخ البشري على الأرض!
يقول خورخي كاريون، في كتابه «زيارة لمكتبات العالم»: كل مكتبة لبيع الكتب نسخة مكثفة من العالم، إن ما يربط بلدك ولغته بالمناطق الأخرى التي تتكلم لغات مختلفة ليس خطوط الطيران والرحلات، وإنما الممرات الممتدة بين رفوف الكتب.
أنت لا تحتاج إلى عبور الحدود الجغرافية، كل ما تحتاج إليه هو خطوة، مجرد خطوة بقدمك إلى المكتبة، خطوة واحدة لتقف أمام مجلّد صدر للمرة الأولى عام 1767 بجوار آخر ظهر الأسبوع الماضي واشتريته بالأمس، كتاب عن هجرات ما قبل التاريخ إلى جانب آخر عن المدن الضخمة في القرن الحادي والعشرين، مؤلفات ألبير كامو بجوار محاورات أفلاطون، والكثير الكثير الذي لا يحتاج منك حتى إلى جواز سفر!