بقلم : عائشة سلطان
«وماذا عن قناعتك؟»، كان السؤال الذي وجّه إلي مفاجئاً، فشحذت حواسي وأعدت ترديد السؤال بصوت مسموع، لم أفهم مغزى كلمة «قناعتك»، أهي القناعة التي هي نقيض السخط، وبالتالي فأنا أمام مفهوم فلسفي يمكن أن يُحتسب عليّ كموقف ديني إذا تورطت في أي نوع من الإجابة؟ لأننا تربينا على أن القناعة من الإيمان، وأنها رديف الرضا بقضاء الله وقدره، لذلك تمنيت أن يكون للعبارة معنى آخر، المعنى الموازي للأفكار التي نؤمن بها في حياتنا ونقتنع بقوة حجيتها، أخيراً تنفست الصعداء، إنها القناعات الفكرية فعلاً!
قلت لمحدثي: أفضّل أن أستخدم مصطلح الاستغناء بدل القناعة، فكلمة القناعة تحيلنا إلى الرضوخ السلبي، ولأنها تستقي قوة وجودها من منظور يصعب مناقشته، لكن مبدأ «الاستغناء» يبعدنا عن الحرج ويمنحنا مساحة مناقشة أكثر حرية وبلا أي نوع من الحساسية.
هذه قضية تحتاج إلى نقاش صريح وهادئ معاً، بعيداً عن التطرف وعن المزايدات العلمانية، لأننا بحاجة ماسّة إلى تحرير الخطاب العام والابداعي تحديداً من الاتهامات المجانية بالكفر والشطط لمجرد كلمات أو أسطر يتم تأويلها بشكل خاطئ جداً يضع الروائي أو الشاعر أو الصحفي أو القاص في قفص الاتهام بمعاداة الدين بسبب كلمة أو جملة يتم فهمها وتأويلها خطأ، ما يقاربنا مباشرة من مسألة معاداة السامية التي تشكّل عقبة وقيداً ومأزقاً أمام الحريات في الغرب!
إن المبدع بحاجة إلى أن «يستغني» عما عند غيره، وأن يكتفي بما عنده، ليس تكبراً ولا جهلاً، ولكن امتلاءً واكتفاءً، كي يتفرغ لإبداعه بشكل حقيقي ومحترف، متعالياً على الصراعات والخلافات والتنافسات التافهة التي لا تعود عليه إلا ببعض الاصطفافات المجانية التي تُفقده براءة الموقف وسلامة النية ووضوح الهدف!
الاستغناء قوة، لأن من يستغني يفترض به أن يقبض بقوة على أدواته التي لا يعود مضطراً فيها إلى سؤال أحد، نقصد هنا سؤال الحاجة لا سؤال المعرفة، لأن المبدع يجب ألّا يستغني عن سؤال المعرفة الذي هو سؤال الوعي وسؤال القوة معاً! إذاً فإن على المبدع كذات وككيان أن يشحذ إمكانياته، وينحت مشروعه بدأب في واقعه، ويمعن في الانتماء إلى هذا المشروع، متخلصاً من الثرثرة بلا معنى، ومن الضجيج بلا داعٍ، ومن الرغبات بلا ضرورة. الاستغناء قوة، هذا ما يجب أن يبني عليه المثقف بيت إبداعه القوي!