بقلم : عائشة سلطان
لا يوجد شخص مثالي أو بلا عيوب، لا تفتش ولا تجادل، كلنا مخلوقون من الضعف ومحكومون بالنقص، المثالية ليست خصلة إنسانية وإن كانت مطلباً أشبه بحلم، هذه نتيجة نعرفها جميعاً، وقد صادف أن سمعها كل واحد منا في موقف ما في حياته، ما علينا سوى أن نتمهّل قبل أن نحكم على غيرنا، وأن نذهب بعيداً في تقبّلنا عثرات الآخرين كي يكون في مقدورهم غفران عيوبنا أيضاً، وغض الطرف عما يصدر عنا ومنا.
إن التغافل في أحيان كثيرة عين العقل ومنتهى الحكمة، لا ضعفاً ولا غباءً ولا تنازلاً.
يقول أحد الكتاب: «عندما كنت صغيراً اعتادت أمي أن تعد لنا طعاماً مختلفاً من وقت لآخر، في ذلك المساء، وبعد يوم طويل ومرهق قضته في العمل خارج البيت وداخله، وضعت أمي طبقاً من البيض والنقانق والبسكويت محروقاً للغاية على طاولة الطعام أمام أبي، كانت أمسية لا أزال أتذكرها بكل تفاصيلها.
أتذكر أنني انتظرت لأرى إن كان أي شخص قد لاحظ ذلك الطعام السيئ، ولكن كل ما فعله أبي كان التقاط البسكويت والابتسام لأمي، ثم سألني: كيف كان يومي في المدرسة، ولا شيء آخر، حتى إنني لا أذكر بالتحديد ما أخبرته، ولكني أذكر تماماً كيف كان يضع الزبدة والمربى على البسكويت ويأكله بتلذذ غريب!
عندما غادرت الطاولة في تلك الليلة أذكر أني سمعت أمي تعتذر لأبي عن البسكويت المحروق، وكان كل ما قاله لها: عزيزتي أنا أحب البسكويت المحروق، وفي وقت لاحق من تلك الليلة ذهبت لأتمنى لأبي ليلة سعيدة فسألته إن كان حقاً يحب البسكويت المحروق.
فأخذني برفق وقال لي: إن أمك واجهت يوماً شاقاً في العمل اليوم وإنها حقاً متعبة، إضافة إلى أن القليل من البسكويت المحروق لن يضر أحداً، تلك من الكذبات الضرورية، فالحياة ليست كاملة، وهي مليئة بأشياء ليست مثالية، أنا نفسي لست الأفضل في أي شيء».
ما نتعلمه بمرور الزمن هو أن نتقبل أخطاء بعضنا، وأن نقدّر اختلافات بعضنا عن بعض، ذلك أحد أهم المفاتيح للمحافظة على العلاقات؛ فحين نغمض عيوننا ونأكل «بسكويتاً» أعده لنا صديق وقد احترق جزء منه دون أن نصرخ في وجهه مستائين ومنتقدين، فإنه سيكون ممتناً بالتأكيد، لكنه بالتأكيد سيمرر لك «بسكويتاً محروقاً» هو الآخر في المرة المقبلة!
نحن بحاجة ماسّة إلى أن نتذكر دوماً أن لا نقايض أحبتنا وصداقاتنا وسعادتنا بأخطاء بسيطة يمكنها أن تمرّ، كما تقطع أمام أنظارنا سيارة مسرعة دون أن نُلقي لها بالاً! لمجرد قطعة بسكويت احترقت مصادفة أبداً!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان