بقلم : عائشة سلطان
كانت الفتاة جادة في كل مسيرة حياتها، تلتزم منظومة قيم لم تتنازل عنها يوماً، بنَت حياتها باجتهاد، وأسست لوضع وظيفي مرموق، وحين ارتبطت عاطفياً بذلك الرجل فعلت ذلك لأنه قبلها كما هي بجمالها المتواضع وبكل عيوبها، هكذا كان يقول وهكذا كانت تشعر، حتى حانت اللحظة التي شهدت فيها خيانته. بكت، قذفت الأشياء في وجهه.
وكانت غصتها قاتلة، ولأنها لم تحتمل تركته وتركت وظيفتها، لأنها كانت تعمل معه في المكان نفسه، ثم اختفت عن الجميع، ما جعل الشائعات تتكاثف حولها كسحب سود، لكنها أصرّت على الصمت وعدم الرد تماماً.
حين جلست مع أحد أصدقائها يوماً، سألها عن سبب تركها العمل رغم كل مظاهر تفانيها فيه؟ قالت له إن ذلك كان بسبب خوفها من فقدان الشعور بالأمان.. ربما! شرحت له أنها كانت تحرص على ألا تتغيب عن العمل وتفعل كل ما في وسعها لتصل قبل الوقت المحدد أياً كانت الظروف، لأنها كانت تخشى أن يحدث شيء ما إذا لم تفعل ذلك.
وفي الحقيقة كان ذلك السلوك هو ما يجعلها متماسكة وما يشعرها بالأهمية، بعد الحادثة التي تعرضت لها أيقنت أنها كانت واهمة تماماً، كمعظمنا حين نعتقد أن هذا الشخص هو ما يجعلنا سعداء، وهذا العمل هو ما يجعلنا متماسكين، وهذا الوضع يمنحنا الأمان، ثم نكتشف حجم الوهم، فنضحك على ما كنا نتوهمه.
بعد تلك الوظيفة عملت تلك الفتاة في وظيفة تبدو للبعض تافهة وغير لائقة: «منزهة كلاب». تلك وظيفة في المجتمعات الغربية تدرّ دخلاً جيداً، ولقد شعرت بأنها تخلصت من أوهام كثيرة بتلك النزهات الشاقة التي كانت تقوم بها مع تلك الحيوانات.
فيما بعد بدأت تتعرف إلى ما يجعلها قوية فعلاً، بدأت تفهم السر الحقيقي في معادلة السعادة والتماسك النفسي، فكلنا لديه اهتمامات وأمور وهوايات وملكات يبرع فيها، لكنه حين يحبها عليه أن يفعل ذلك لأجل نفسه، لأنها تمنحه البهجة، ولأنها تشبعه وترضي ميولاً وتوجهات لديه، وربما تجمعه بأصدقاء آخرين يقضي بصحبتهم وقتاً عميقاً وغنياً بالفائدة.
يحتاج الإنسان إلى أن يعرف على وجه الدقة تلك الأمور التي تجعله متماسكاً في مواجهة الظروف القاسية التي يقع فيها، إلا أن المعرفة وحدها لا تكفي إذا لم يكن بمقدورنا أن نتخطى نظرية رأي الآخرين، فالآخرون يتحولون إلى جحيم أحياناً، أما كلامهم فآلة جهنمية قاسية جداً وبلا قلب.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان