حين نقف أمام مفترق حياة

حين نقف أمام مفترق حياة!

حين نقف أمام مفترق حياة!

 صوت الإمارات -

حين نقف أمام مفترق حياة

بقلم : عائشة سلطان

الذين يعتقدون، بشكل جازم، أن الحياة يمكن رسمها بالقلم والمسطرة وتوجيه مساراتها وأقدارها بالتخطيط لكل فعل وردة فعل، عليهم أن يراجعوا ملياً، وبشكل جدي، هذه القناعة؛ فبالرغم من دور التخطيط المسبق لتفاصيل مهمة في حياتنا مثل: (التخصص الدراسي، شريك الحياة والزواج، الوظيفة، مكان السكن والعمل و..)، فإن أحداثاً طارئة، لم نفكر فيها يوماً أو نخطط لها، يمكن أن تغيّر مسار حياتنا تماماً، وتذهب به إلى مصير لم يخطر لنا على بال!

في رواية «قطار الليل إلى لشبونة» التي كتبها الروائي والفيلسوف السويسري باسكال ميرسيه، تتغير حياة أستاذ اللغات القديمة في جامعة برن الدكتور رايموند بشكل دراماتيكي في صباح يوم ماطر شديد البرودة؛ فأثناء عبوره الجسر الموصل إلى مقر عمله يفاجأ بفتاة شابة تهم بإلقاء نفسها من فوق الجسر، يتدخل الأستاذ في لمح البصر لإنقاذها، ثم يصطحبها معه لقاعة الدرس من دون أن يدري على وجه الدقة: لماذا أو كيف ستسير الأمور بينهما في الساعات المقبلة!

ينخرط الأستاذ مع طلبته بينما تغافله الفتاة متسللة من الفصل، وتاركة معطفها الأحمر وبه كتاب صغير ونادر أيضاً، بعد أن تختفي الفتاة يبدأ ريموند تعقب تفاصيل ما سيقرأه في ذلك الكتاب الذي يبدأ بهذه العبارة: «كل فعل بشري هو فعل ناقص بشكل متطرف، تعبير يائس ومثير للسخرية عن حياة داخلية مختبئة في أعماق لا يمكن تخيلها».

يعرف لاحقاً أن الكتاب عبارة عن مذكرات بقلم الطبيب الثائر البرتغالي أماديو دو برادو، الذي كان قائداً بارزاً في حركة المقاومة البرتغالية ضد الديكتاتور البرتغالي أنطونيو سالازار، ومن خلال هذه المذكرات يطارد الأستاذ حيوات كل أولئك الشباب الثائرين الذين جاء ذكرهم فيها، وعاشوا تلك الحقبة بعلاقاتهم العائلية والعاطفية!

يستقل الأستاذ من دون تفكير قطاراً مسائياً إلى لشبونة لتتبع تلك التفاصيل التي وردت في الكتاب، فيتقاطع هناك مع من بقي من تلك المجموعة، أو ما بقي منهم بعد أن بلغوا من العمر عتياً.

وبعد أن أحاط بكل الملابسات، وعرف تفاصيل العلاقات والحيوات التي عاشوها، وقابل من بقي منهم، وسمع أسراراً لم يبوحوها لبعضهم، قرر أن يضع النقطة الأخيرة في السطر الأخير ويعود إلى حياته وطلابه، وفي المحطة أمام القطار الذي سيقله إلى مدينة «برن» يقف مع سيدة رافقته خلال رحلة التتبع لينقل لها امتنانه للرحلة المعرفية التي اكتشف من خلالها معنى أن نعيش الحياة رغم مصاعبها وخياناتها ومواجهاتها، فذلك أفضل من الحياة الخاوية والمملة التي عاشها هو طوال حياته، والتي سيعود إليها.

فماذا لو لم تعد؟ سألته المرأة فجأة، ليقف أمام السؤال كمن يقف أمام مفترق حياة!
 المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين نقف أمام مفترق حياة حين نقف أمام مفترق حياة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates