بقلم : عائشة سلطان
أعدّت مجلة «الأهرام العربي» في عددها الأخير ملفاً خاصاً بعنوان «أم كلثوم لا تنتهي»، وأتيحت لي فرصة المشاركة في هذا الملف، وحتى لا يقع في ذهن القارئ العربي أن الكتابة عن أم كلثوم نوع من الكتابة التقديسية للرموز، فإن محرر الملف استدرك قائلاً: «إن العودة لتناول كوكب الشرق بعد 43 عاماً على رحيلها لا تُعدّ نوعاً من التقديس أو التكريس، فقد بلغت في هذا الإطار مكانة لم يبلغها أحد، لكنها لا تزال نصاً ينتج خطابات متعددة، مفتوحاً على جملة من التأويلات تتنوع بتنوع الظاهرة ذاتها».
لقد عاش معظم جيلنا وفي ذاكرته هذه السيدة الاستثنائية التي سجلت أطول مدة غناء متواصل عبر التاريخ، «فأم كلثوم غنّت مذ كانت في الثالثة عشرة حتى السابعة والسبعين، أي ستين سنة كاملة، وليس في تاريخ الغناء في العالم ظاهرة مماثلة أو مقاربة، ولم يُعرف مغنون أوروبيون غنوا أكثر من أربعين سنة»، كما جاء في كتاب «السبعة الكبار» لفكتور سحاب!
لقد شكّل صوت أم كلثوم على الدوام، كما شكّلت شخصيتها القوية ومواقفها الوطنية، الجسر الذي التقت عبره أجيال لا حصر لها من أبناء الوطن العربي، قبل اختراع وسائل التواصل، لذلك حاول الملف، عبر عدد كبير من المثقفين، تقديم قراءات متنوعة لاستحضارها، وهي التي لم تغب يوماً ولم تتحول إلى مجرد ذكرى، لقد كانت أسطورة في حياتها، وحافظت على أسطوريتها حتى اليوم.
كانت إذاعة دبي تبث وصلة غنائية لمدة ساعة كاملة للسيدة أم كلثوم منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، وهو الأمر الذي جعل صوت «الست» يصدح في كل بيوت أهالي دبي والمقيمين فيها ما بين الواحدة والثانية ظهر كل يوم، رحم الله أبي، فقد كان مغرماً بصوتها إلى درجة إعلان حالة طوارئ يومية في المنزل في اللحظة التي تغني فيها، وإلى أن تنتهي لتبدأ نشرة أخبار الظهيرة، وظل على هذه الحال حتى بدأ المرض يزحف إليه ويوهن جسده ويلتهم شغفه، فكان أول ما تخلى عنه هو الاستماع لأم كلثوم، قبل أن ينتقل لجوار ربه عام 1986.
في تلك المرحلة، كنا قد كبرنا وشارف أغلبنا على دخول الجامعة، وكانت الإذاعة قد توقفت عن بث أغنيات «الست»، وكنت قد بدأت تلمس الطريق لتفكيك شيء من لغز العبقرية الكامن في أم كلثوم، وفي الهالة التي كانت تحيطها. في الحقيقة كانت أم كلثوم حالة استثنائية ومتكاملة، وليست مجرد مغنية!
نقلا عن البيان