بقلم : عائشة سلطان
في مقابلة أجراها «ريتشارد ستينجل» رئيس تحرير جريدة «التايم» الأميركية مع الزعيم الجنوب الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا وجه الصحفي للسياسي الكبير هذا السؤال: كيف ترى الفرق بين إنسان دخل السجن شاباً وخرج منه رجلاً؟ فأجابه مانديلا بحكمة من أمضى قرابة ثلاثين عاماً من أحلى سنوات عمره وراء القضبان: لقد خرج ناضجاً!
مرت السنون على المناضل الكبير حتى إنه حين خرج سلم على سجانيه وودعهم بقلب خال من الضغينة والكراهية، لم يعد مانديلا شاباً صغيراً تتلاعب به العواطف ويتحكم في توجهاته وميوله الغضب والكره ورغبة الانتقام: لقد نضج بما يكفي، وحين ننضج نتغير بما يكفي لتتغير نظرتنا لكل شيء، وربما بمقدار 180 درجة، هذا حين يكون نضجنا حقيقياً بالفعل!
يقول سعيد عقل «لا علاقة للأيام بالنضج، نحن ننضج بمرور الناس»، وهذا صحيح جداً، فكلما مر بحياتنا إنسان ترك في داخلنا جزءاً منه، ضخ في قلوبنا شيئاً من تجربته وحكمته وما منحته الحياة من تجارب، مرور إنسان بحياتنا يجعلنا وكأننا عشنا أو أضفنا إلى أعمارنا عمراً وإلى حياتنا حياة أخرى، وبالتأكيد فليس كل شخص أو إنسان يعبر حياتنا ينطبق عليه ذلك أو يترك فينا هذا الأثر، هناك أناس ممتلئون بالتجربة والحكمة والعطاء، أناس حقيقيون وغير أنانيين، بإمكانهم أن يمنحوا قيمة للحياة وللآخرين!
التجارب تنضجنا بلا شك، العمر ليس مقياساً للنضج في أحيان كثيرة، فقد تمر على المرء أحداث صعبة أو تضعه الحياة أمام محكات صعبة ومسؤوليات جسيمة، ما يجعله ينضج في وقت مبكر، ويصبح أكبر من عمره، في حين أن أناساً آخرين يتجاوزون عمر النضج، لكنك تراهم من التفاهة بحيث لا تفكر حتى في أن تتحدث إليهم!
على الآباء أن يضعوا التجارب في متناول أبنائهم قدر استطاعتهم، فذلك يعينهم على النضج، والنضج يساعدهم على توجيه دفة حياتهم بشكل صحيح، متسلحين بالوعي ومتحكمين في مشاعرهم وعواطفهم، كيف يمكن للآباء ذلك؟ بأن يمنحوا أبناءهم فرصة تحمل المسؤولية باكراً، فرصة المشاركة في اتخاذ القرارات، فرص السفر والتنقل، وفرصة الشعور بأن الحياة ليست دائماً فعل أخذ، لكنها فعل عطاء أكثر، فعل إحساس بالآخرين، فعل حرمان وسعي ومجاهدة، فالطفل الذي ينشأ وكل طلباته مجابة بلا أدنى جهد كيف يمكنه أن يعاني ويفكر ويشعر بتقلبات الحياة ومصاعبها؟
الحياة لا تعبر بالسنوات، إنها تعبر بالسنين وبالناس وبالتجارب!