بقلم : عائشة سلطان
من المفاهيم التي تستحق أن نتوقف عندها مصطلح (الإنسان الحقيقي)، فكيف يكون هذا الإنسان؟ أو من هو هذا الإنسان؟ هل نحن أناس حقيقيون فعلاً؟ هل نحيط أنفسنا بأناس من هذه الشاكلة ؟ يقول لك البعض إنك حين تخرج للحياة، تواجه أعاصيرها وتقلباتها، ستلتقي بكل الأشكال والوجوه وبكل لابسي الأقنعة، إنهم أناس عاديون يتكررون بلا تميز وبلا علامة فارقة، هذه أهم صفة تحكم أناس الشارع والشركة والسوق ومحطة القطارات، وسيارات الأجرة والمطاعم والمطارات وحتى تلك الأماكن التي تتردد عليها لإنجاز معاملاتك ومصالحك!
في هذه الأمكنة قد يصادف وجود أشخاص حقيقيين، لكنك حين تخرج إليها لا تتوقع أو لا تفكر أن تبحث عنهم فيها، هذه فضاءات المصالح البحتة والعامة، ولذلك فعلاقات الناس فيها قائمة على مبدأ التدافع والسببية، إنهم يتقاتلون ليكونوا أول الراكبين في القطار، ويكذبون كثيراً ليحصلوا على أية منفعة، هـؤلاء أشخاص لا تعرفهم مسبقاً، وقد لا تلتقي بهم سوى مرة واحدة في حياتك، هؤلاء هم العابرون، أما الأشخاص الحقيقيون فأول صفاتهم أنهم باقون وثابتون ولا يتكررون كنسخ كربونية في الحياة أو على مستوى حياة فرد واحد!
«نحن لا نسمح بدخول أناس غير حقيقيين إلى حياتنا»، لفتت العبارة انتباهي، في الحقيقة لفت هذا الوعي الحاضر انتباهي، فكم يبدو الإنسان الحقيقي محددا وواضحاً، ذلك الإنسان الذي يستخدم إنسانيته الحقيقية عند اقترابه من الآخرين، يخلع عنه كل الأحكام المسبقة والتعميمات الفارغة، فيكون قادراً على احتواء الآخر وتقبله وقبوله والانفتاح عليه، إنسان لا تصنعه آلة الإعلام ولا تنمطه مناهج التربية وقناعات الآخرين، إنسان تصنعه الظروف الحقيقية، الحياة الحقيقية، الناس والأصدقاء والآباء والأمهات والتفاصيل الحقيقية.
غالباً ما يكون إنساناً بسيطاً واجه معاناة ما أو كبر معتمداً على أدواته البسيطة، إنسان يقرأ، يتحدى، يجتهد ليصنع غده، يملأ نفسه بالمعرفة، يزود شخصيته بالكثير من الأدوات التي تعينه على اجتياز دروب الحياة الصعبة، في نهاية الأمر لا يولد كقالب الكيك الرخو ولا يتقولب في أوانٍ من الكريستال.
الإنسان الحقيقي هو الذي يؤسس كيانه من كل ما يحيط به، هذا لا يعني أن يكون من جنس الملائكة ولا يعني أن يكون فاضلاً بالمطلق، لكنه بالتأكيد لا يكون مضطراً ليكون شخصاً آخر، الإنسان الحقيقي ليس سوى هو ممتلئاً بقيم يقتنع بها وبها يشق طريقه في الحياة وإلى قلوب من يحبونه.