بقلم : عائشة سلطان
يبدو لي قرار الارتباط أو الزواج تحديداً - بخلاف كل قرارات الإنسان في الحياة - قراراً شخصياً جداً طالما لم يخالف القواعد الثابتة، فحين يتعلق الأمر بالشخص الذي سترتبط به، كشخصيته وشكله ولغته وثقافته وفقره وغناه وجماله، يكون لأصحاب العلاقة المباشرة الحق الوحيد في الاختيار والقرار وفق أسس وضعاها وارتضياها، لذلك فهما ـ دون أي شخص آخر ـ من سيتعايشان مع تلك الأسس، من سيعيشان في سعادة إذا كانت صحيحة، أو عكس ذلك إذا كانت الأسس غير موفقة، وبطبيعة الحال فإن الأبناء سيتحملون النتائج معهما لاحقاً!
مع ذلك فإن خصوصية القرار، وهذه المساحة الواسعة من الأحقية التي يضمنها القانون للرجل والمرأة إذا كانا ناضجين ومؤهلين قانونياً لاتخاذ قرارهما، لا تمنع الرجل ولا المرأة من أن تستشير، فهناك أمور يعرفها العقل والتجربة أكثر مما تتوصل إليها اندفاعات القلب، ولذلك فلا بأس من النصح والتذكير ولفت النظر، أما الخيار والقرار فيبقى لأصحاب العلاقة أولاً وأخيراً!
وهنا فإننا كأفراد وكمجتمع لدينا قدرة ـ أو لنقل ثقة ـ عجيبة في التدخل اللامبرر في حياة الآخرين، وفرض آرائنا وقناعاتنا في كل مسألة شخصية تمس حياة الآخرين، فنبدأ بتحقير القرار وتداوله اجتماعياً على أنه تصرف مرفوض ومستهجن ولا يتماشى مع تقاليد المجتمع وعادات أهله، ما يدفع لتكوين صورة سلبية تصبح محل تهكم الجميع، فقط لأنهم قرروا التغريد خارج السرب، أو التصرف وفق قناعاتهم وما يرون أنه يجلب لهم السعادة والرضا!
أن نحترم خيارات الآخرين، وتحديداً في حالة كونهم شخصيات ناضجة وقادرة على اتخاذ القرار وتحمل تبعاته، فذلك من مؤشرات النضج في العقل الجمعي العام، بمعنى أن المجتمع الذي يحترم قرارات أفراده فيما يخص قرارات زواجهم، نوعية دراستهم ومجالات أعمالهم، اختيار أصدقائهم، كيف يقضون وقتهم، وغير ذلك من الأمور الشخصية هو مجتمع ناضج ومتحضر ومحترم.
إن المجتمع الذي يدس أفراده أنوفهم في قرارات وحياة الآخرين بمناسبة وبغير مناسبة، فهو مجتمع يعاني أفراده فراغاً هائلاً يملأونه بالثرثرة ليس أكثر، إضافة لكون الرفض الذي يمارسونه ضد الآخرين تعبيراً عن أزمات حقيقية، يريد أصحابها أن يتحرروا من القيود التي قيدهم بها المجتمع لكنهم لا يستطيعون، فيمارسون نوعاً من القمع أو العقاب على من استطاع التحليق عالياً.
في النهاية يفوز باللذة الجسور كما قال الشاعر، أما من يراقب الناس فيموت همّاً!!
نقلا عن البيان