وقل ليتني شمعة في الظلام

وقل "ليتني شمعة في الظلام"!

وقل "ليتني شمعة في الظلام"!

 صوت الإمارات -

وقل ليتني شمعة في الظلام

بقلم : عائشة سلطان

انخرطت في بكاء مرير لم يخرجني منه إلا نظرته المتوسلة، هذا الطفل المستلقي على سريره الصغير في قسم العناية المركزة جزء مني، وكثير من دمه يجري في دمي ويتغلغل في قلبي، منذ سنوات وهو يعاني آلاماً لا يعلمها إلا الله، ولا يفهمها حق الفهم سوى أب وأم يريانه كل لحظة، وهو يمعن من دون إرادته في الصمت والعجز واللاقوة واللاقدرة، بالكاد، وصلت من سفري فجراً، فكان هو أول من سعيت لرؤيته والاطمئنان عليه، مع يقيني بعدم صلابة قلبي على احتمال رؤيته في هذه الحالة.

دخلت غرفة العناية المركزة الخاصة بالأطفال، فإذا بعدد من الأسرّة يستلقي عليها صغار في عمر الورد أول تفتّحه، بالكاد يديرون أعينهم في سماء المكان، وبالكاد يمكنهم لمس اللعب التي تحيط بهم، الأنابيب القاسية والأسلاك تحيط بأجسادهم، تتغلغل في لحمهم الطري وتحرث أفواههم الغضة، وهم يتململون ممتلئين بالألم الحارق، ولو أن أحدنا مكانهم لوصلت صرخاته عنان السماء. تذكرت آخر مرة رقدت فيها في أحد المشافي، كيف أنني كنت أتعذب لأنام، لأنني لم أكن أحتمل وجود تلك الإبرة مغروسة في يدي، وموصولة بأنابيب تنتهي بأكياس أدوية مسكّنة، وتساءلت: كيف يحتمل هذا الطفل كل هذا الألم الذي لم أحتمله بضع ساعات؟!

كم تبدو أوجه الحياة في قمة تناقضاتها، حين ننتبه إلى ما يحدث حولنا، وحين ننصت إلى الأصوات جيداً، ونتأمل الوجوه بقليل من الرحمة التي نتناسى أنه لولاها ما كنا جديرين بإنسانيتنا، فحين تمشي في طرقات أي مشفى، حاملاً باقة ورد بابتهاج، وفي تمام ألقك وعافيتك، انتبه فهناك امرأة تعبر الممر ذاته في محاذاتك تماماً يغص قلبها قبل عينيها بالدموع، لأن صغيرها أقرب إلى الموت وقد يطلع النهار عليه، فلا تشرق عيناه بوميض الحياة.

وتذكر أن الطفل الذي يولد يقابله طفل يودّع الحياة، وطفل سيضخ العلاج الكيميائي في عروقه، وامرأة تتقلّب طيلة الليل لا تقوى على ألم حار الأطباء في علاجه، وحارت هي من أين تستجلب قوة احتمال أكثر؟ وابكِ، واجهش بالبكاء واطلق لقلبك العنان في أن يتطهر من قسوة الدنيا ويغتسل بإنسانيته أكثر، فالبكاء ليس ضعفاً أبداً، إنه القوة في ألطف تجلياتها.

فقط، تذكّر النقيض وفكّر بغيرك كما طالبنا درويش الجميل في قصيدته الشفافة «فكّر بغيرك»، وتمنّى لنفسك بأن تكون شمعة في ذاك الظلام الذي يفترس حياة الكثيرين.

المصدر : جريدة البيان

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وقل ليتني شمعة في الظلام وقل ليتني شمعة في الظلام



GMT 13:47 2018 الأحد ,02 أيلول / سبتمبر

العودة للمدارس

GMT 13:47 2018 الأحد ,02 أيلول / سبتمبر

هلا.. بالمدارس

GMT 13:45 2018 الأحد ,02 أيلول / سبتمبر

لأمهات الشهداء.. ألف.. ألف تحية

GMT 13:43 2018 الأحد ,02 أيلول / سبتمبر

مدرسة الوطن

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان
 صوت الإمارات - عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 02:40 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 17:54 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

زيت النخيل مفيد لكن يظل زيت الزيتون هو خيارك الأول

GMT 04:49 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

وحيد إسماعيل يعود لصفوف الوصل

GMT 19:51 2019 الأحد ,13 كانون الثاني / يناير

شركة "سامسونغ" تحدد موعد إطلاق أول هواتفها القابلة للطي

GMT 22:19 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف إلى خطة مدرب الشارقة لمواجهة الوحدة

GMT 03:33 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

لقاء ودي بين محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي

GMT 02:31 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

كيف تحمى طفلك المريض بضمور العضلات من الإصابة بفشل التنفس ؟

GMT 03:01 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

معرض جدة الدولي للكتاب يسدل الستار على فعالياته الثلاثاء

GMT 11:49 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

بلدية العين تنفذ حملات تفتيشية على 35 مقبرة

GMT 21:50 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

جينيف سماء ملبدة بغيوم الحنين والبهجة

GMT 22:54 2013 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"سامسونغ" تُطلق ذراع تحكم بالألعاب لهواتف أندرويد

GMT 10:58 2013 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

"كلاكيت" رواية جديدة للكاتب محمد عبد الرازق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates