بقلم : عائشة سلطان
في بعض العلاقات التي تحمل بذور نهاياتها منذ الوهلة الأولى يبدو واضحاً أن لا شيء حدث بالصدفة، حتى وإن كانت الصدفة هي العامل الحاسم في كتابة السطر الأول والنظرة الخاطفة الأولى، بعض الأشخاص يبدو التقاؤهم مفاجئاً ومثيراً وفاتحاً لشهية الأسئلة (كيف ومتى وأين وإلى متى ووو) لكن، هما فقط من يعتقدان أن كلاً منهما عثر على نصفه الضائع أو فردوسه المفقود.. ثم يكتشفان وعند أول خطوة باتجاه بعضهما أنهما خسرا كثيراً حين منحا قلبيهما كاملاً!!
نحن جميعاً لا نقرأ الإشارات الأولى ولا نتوقف عند النصائح، فشيئان لا يتعقلان أي شيء: الغضب والحب، يقيمان ممالك ويهدمان مدناً في طرفة عين، هكذا كان اللقاء بين شاعرين شهيرين في النصف الأول من القرن العشرين (الشاعر البريطاني تيد هيوز والشاعرة الأميركية سيلفيا بلاث).
وهكذا كانت علاقتهما الأشهر وزواجهما، ومن ثم الزلازل المدمرة التي قادت الشاعرة الشابة للاكتئاب ومن ثم إلى الانتحار، ووضعت الشاعر في خانة الاتهام بقتلها فصمت بشكل نهائي إلى أن جاءت رواية (أنت قلت) لتمنحه فرصة الكلام ولكن بعد 17 عاماً من وفاته!
من كلام الشاعر وديوانه الأخير أسست الكاتبة الهولندية كوني بالمن بناءً مكتملاً لروايتها المفرطة الشاعرية والجميلة جداً (أنت قلت) والتي نقلتها إلى اللغة العربية باقتدار لمياء المقدم، كان تيد هيوز الزوج والشاعر والمتهم هو الراوي والصوت الوحيد في كل مسارات وتعرجات وخفايا العلاقة المتأزمة بينه وبين زوجته الأميركية التي برغم حبه لها منذ اللقاء الأول.
إلا أنه ظل على امتداد الرواية يؤكد أنها كانت امرأة شرسة واستعراضية تفتقد الحنان، وتبحث عن الآخرين وتتشبث بهم لكنها في الوقت الذي يحبونها فيه تنقلب عليهم وكأنها تنتقم منهم، المرأة التي لم يحبها أصدقاؤه أبداً ونفرت منها شقيقته منذ اللقاء الأول، المرأة التي أسس معها أشهر علاقة حب بين شاعرين في العصر الحديث، والتي انقضت عليه منذ أول لقاء بينهما وعضته في خده تاركة علامة أبدية تقول له على الدوام أي امرأة أحب وأي حياة سيعيش!
قال تيد منذ البداية بأنه كان عليه أن يستمع إلى همس النجوم والأبراج التي أنبأته في ذلك اليوم بأن لقاءً كارثياً في انتظاره، وأن انفجاراً قوياً ناتجاً عن اصطدامه بطاقة فلكية هائلة سيحدث له من شأنه أن يقلب حياته رأساً على عقب وإلى الأبد، ومع ذلك بقي معانقاً قدره بغرام وبهجة لم يعرفهما إلا في أيام متقطعات فيما بعد!
هناك علاقات وأشخاص لابد أن تلتقي بهم وحين تفعل تدرك أنهم كما قال فيهم نزار قباني (حبك مثل الموت والولادة صعب بأن يعاد مرتين) لأنه حب لا يفارقك إلا إذا قتلك أو قتل نفسه تماماً، كما فعلت الشاعرة الأميركية الشهيرة سيلفيا بلاث عام 1963 حين أنهت حياتها منتحرة في بريطانيا!