بقلم : عائشة سلطان
لم نفتقد يوماً تلك المحاولات التجريبية والفعلية في الكتابة الإبداعية، وإن كانت مرحلة منتصف السبعينيات والثمانينيات قد بلورت أسماء معروفة ومشهوداً لها في المجال الإبداعي ومن الجنسين (سلمى مطر سيف، أمينة بوشهاب، مريم جمعة، عبدالغفار حسين، محمد المر، عبدالحميد أحمد، والراحل ناصر جبران) إلا أن معظم هؤلاء انحازوا للقصة القصيرة على وجه الخصوص، وكانت هناك محاولات أولى لكتابة الرواية التي لم تتبلور بشكلها الكامل تماماً (شاهنده لعبدالله النعيمي مثلاً)، ثم قدم علي بوالريش لاحقاً تجربته بشكل أكثر رسوخاً في هذا المجال!
اليوم هناك موجة جديدة يقودها جيل من الشباب ظهر مع تبلور حركة دور النشر الجديدة في الإمارات، هذه الموجة وضع بعضها بصمة لا يستهان بها، وتبع ذلك ظهور حركة تشجيع واضحة للإبداع الإماراتي كتأسيس جائزة الرواية الإماراتية وبعض المحترفات أو الورش الإبداعية التي لم تبلور توجهاً واضحاً وراسخاً في مجال محترفات الكتابة الإبداعية مثلما الأمر مع محترفات الرسم والنحت والتشكيل.
نحن لا زلنا نسعى نحو كتابة الرواية باشتراطاتها الكبيرة، ففي النهاية ينظر للرواية دائماً على أنها الابنة الشرعية للمدينة بكل تشابكاتها، خاصة ونحن نعيش في مجتمع يتغير بسرعة مخلفاً العديد من الإشكاليات التي تصلح كمنطلقات لروايات حقيقية وناجحة، حيث الرواية تعبير صادق عن تحولات المدينة وأزمة الإنسان وأسئلته الوجودية فيها.
وهذا يحتاج لأشخاص ذوي خبرة حياتية، ووعي وانحيازات فكرية معينة لكل شيء في الحياة، لكي يتمكنوا من سبر تحولات المدينة، وكيف أثرت تحولاتها على الإنسان، وماذا أفرزت، ليؤسسوا لروايات إماراتية حقيقية.
نحن نتحدث هنا عن الرواية الحقيقية التي تشبه تأريخاً للمدينة وللمجتمع وتأريخاً لإنسان المدينة بشكل عام، وحتماً لا نتحدث عن الروايات المسلوقة!
فمثلاً نحن كجيل عايش تلك الأيام البعيدة من سنوات الثمانينيات، التي تحسب بعشر سنوات لا تكاد تذكر اليوم إلا قليلاً، لكنها كانت العتبة الخضراء التي قفزنا منها إلى فضاء السنوات اللاحقة، هذه الثمانينيات لم تؤرخ روائياً كما ينبغي، فلا روايات ولا قصص، عن أزمات مجتمع قفز تماماً من زمن لزمن، عن تحولات المدينة والمهاجرين وهجرة الأحياء، وعن الكثير مما يستحق أن يروى.
الثمانينيات ذاكرة أخرى أظننا لم نلتفت إليها كما يجب، وكما تستحق، بينما هي الذاكرة الأغنى والمعبأة بتفاصيل بلا حدود، وهي بحاجة ماسة لتسجيل روائي ناضج قائم على مواهب واعية لتلك التحولات بكل عمقها وتشابكاتها.