بقلم : عائشة سلطان
هل تعلمون كم ثورة، وكم انتفاضة وكم تمرداً وكم حرباً خاضتها البشرية في مسيرة حياتها؟ كثير، كثير جداً، سعياً وراء الحرية والكرامة والتحرر من الطغيان، فإن كنا فعلاً نستطيع التأكيد على أن كل تلك الثورات انطلقت فعلاً لحاجة الناس ودون ترتيب وبشكل عفوي وتلقائي، فهل نستطيع التأكيد وبالثقة نفسها على عدم وجود محركات خفية دفعت تلك الجموع للثورة والتمرد والخروج؟ لا شيء يؤكد براءة الحوادث كلها عبر التاريخ، وكأن التاريخ مؤامرة بشرية كبرى، أو كأن الثورات فعل جماهيري غالباً ما ينتهي بالتآمر!
ولأن البشرية دفعت الكثير، ملايين الضحايا ومليارات من الأموال والفظائع والمآسي والحروب والجهود الكبيرة من أجل الوصول للأمن والحقوق والرفاهية، لذلك فهي لا تريد للتاريخ أن يعيد كوارث الحربين الكونيتين، ولا مآسي الأوبئة والدمار، ولا تريد هذه البشرية أن ترى مجدداً أولئك الطغاة والمهووسين بالقتل والسيطرة، لا أحد يسعى لتكرار الماضي أبداً، فلا منطق في أن تكرر البشرية خرابها وهلاكها.
وفي الحقيقة نحن من يعتقد أن الحدث يتكرر، لكن ذلك غير صحيح، الحدث يصنعه إنسان مختلف وفي زمن مختلف عن اللحظة التي مضت، حتى وإن تشابهت الجغرافيا، صحيح أن الإنسان هو هو لن يتحول إلى كائن آخر، لكن الزمن يختلف حتماً، وكذلك القيم الفاعلة والغرائز المحركة والقوانين المؤثرة التي تختلف باختلاف الدرجة التي وصل إليها الإنسان في سلم التحضر والتقدم، لذلك يفترض ألا يكرر الإنسان أخطاءه وكوارثه، إلا إذا كان مفلساً بالفعل ولم يتعلم عبر مسيرته شيئاً يحصنه ضد غباء تكرار الأخطاء، حتى لا يتشابه مع الفئران التي تدخل إلى المصيدة في كل مرة ترى فيها قطعة طعام ذات رائحة نفاذة!
في عالمنا العربي لدى الإنسان عادة التشبث بما يعرفه وبما هو معتاد عليه، هذه الصفة هي السبب في صراعات الأجيال وخلافات الآباء والأجداد مع الصغار، نحن لا نتقبل الجديد بسهولة ولا نعي الأفكار الجديدة بشكل سريع، وكل جديد ننظر إليه بريبة وبعدم ثقة، على اعتبار أنه يشكل تهديداً مباشراً لقيمنا وعاداتنا وهويتنا... الخ، دون أن نحاول التفكير قليلاً في الأمر، فلو أننا فكرنا قليلاً لعرفنا أن التاريخ لا يعيد نفسه أبداً، وإلا لبقينا في العام الأول قبل الميلاد نراوح في المكان نفسه، والحياة البدائية نفسها، لكن التغيير سنة ثابتة من سنن الله في الكون وفي الخلق، وعلى هذا القانون قام العالم كله.