بقلم : عائشة سلطان
لم تسجل الرواية الإماراتية -بالمعنى الحقيقي للرواية- ذلك الحضور اللافت من حيث كثافة الأسماء ولا غزارة الإنتاج ولا تعدد الموضوعات كما هي الحال في البلاد العربية الأخرى كمصر والعراق ولبنان وغيرها، إلا في السنوات القليلة الأخيرة، والأمر يعود بالدرجة الأولى ربما إلى أن الرواية هي ابنة المدينة بكل تطوراتها وتحولاتها، بحسب نظرية الكاتب والناقد المجري جورج لوكاش، كما جاءت في كتابه «نظرية الرواية».
لم تستهوِ الرواية أقلام وأفئدة الأدباء الإماراتيين في ثمانينيات القرن العشرين كما فعلت القصة القصيرة، بالرغم من صعوبة هذا الفن السردي، فحظينا في زمن مبكر بعددٍ جيد من كُتابها على امتداد الإمارات، الذين اتخذوا من المعاناة ونمط الحياة في الماضي، بكل تجليات العوز والفقر إضافة لموضوعات التحديات التي أفرزتها مدن ما بعد النفط، ثيمة رئيسية تبنوها وبنوا عليها معظم رواياتهم، ولقد أجادوا التعبير عن توجهاتهم من خلالها، ومن أشهر هؤلاء: محمد المر، سلمى مطر سيف، ناصر الظاهري، عبدالحميد أحمد، أمينة بوشهاب، مريم جمعة وغيرهم.
هذا يعني أن المجتمع الذي ساد الإمارات ما قبل النفط والاتحاد والحداثة لم يشكل بيئة عملية وحقيقية لظهور الرواية والروائيين إلا أخيراً، كما في تلك المدن التي أنتجت روائييها منذ سنوات طويلة: فنجيب محفوظ روائي القاهرة، وتشارلز ديكنز روائي لندن، وبلزاك وبروست روائي باريس، وربيع جابر روائي بيروت.. وهكذا. لكن عندما بزغت مدن الحداثة بكل مظاهرها وظواهرها ظهر روائيون وروائيات من الإمارات لم يعرفوا مجتمعات القرية والقبيلة لكنهم عاينوا تجليات وانعكاسات المدينة الحديثة، التي أفرزت رواياتها على أيدي مجموعة من الكُتاب حديثي التجربة بداية الألفية الثالثة مع الموجة الأولى لدور النشر الإماراتية!
اليوم تُعبر الرواية الإماراتية عن نفسها بشكل أكثر صلابة، وبأبنية سرد متماسكة، وبنضوج واضح في اللغة واختيار الموضوعات وطرق التناول والمعالجة، وفي الجهد البحثي المبذول لتقصّي الحقائق كما فعلت وداد خليفة في روايتها «زمن السيداف»، ومريم الغفلي في «أيام الزغنبوت»، وميسون القاسمي في «فمي لؤلؤة»، ريم الكمالي في «سلطنة هرمز» و«تمثال دلما»، ونادية النجار في «ثلاثية الدال» وغيرهن!
مع هؤلاء الذين يقفون على ناصية حلم الكتابة يجالدون قواهم الخاصة، تتلمس الرواية الحقيقية البعيدة عن الضحالة والسطحية طريقها للنور وللقارئ العربي والخليجي بقوة وثقة، وتنطلق خلال المشهد العربي لتحظى بما تستحق