بقلم - عائشة سلطان
كنت في مدينة براغ التشيكية لأربع سنوات خلت، أزورها للمرة الثانية. في المرة الأولى خرجت من المطار مباشرة متجهة بسيارة أجرة إلى الشمال، دون أن أتعرف على المدينة، حيث بقيت لشهر في مصحة استشفاء تقع أسفل جبال كروشنا. في المرة الثانية، أمضيت وقتاً طويلاً، سكنت فندقاً صغيراً لا يحمل اسماً رناناً، يقع في زقاق طويل يقودك إلى وسط المدينة القديمة مباشرة، كما وتستطيع التسرب مشياً على قدميك إلى حيث تشاء!
هل قلت إنه لا يحمل اسماً عالمياً رناناً؟ نعم، لكن أسماء أخرى أكثر شهرة كانت تستقر فيه، وهناك صادفتها!
وقعت عيناي على الاسم الأول في الصباح التالي لوصولي، وأنا متجهة لتناول الإفطار، فقد استوقفني اسم فرانز كافكا، الروائي التشيكي الشهير صاحب الروايات الحافلة بالأسئلة الوجودية، والتي منحته لقب «الكاتب السوداوي»، لقد كان اسمه مكتوباً بحروف كبيرة على باب الغرفة التي تلي غرفتي مباشرة.
كان كافكا جاري الأول في الطابق الثالث! فأي مصادفة، وأنا أتخيل نفسي على بعد طرقة باب من غرفة كافكا، أما الغرفة التي تقابله فقد كتب على بابها اسم الروائي الشهير ميلان كونديرا صاحب رواية «الكائن الذي لا تحتمل خفته»! وهكذا وجدت نفسي محاطة بأشهر روائيي التشيك!
تشحذ المدن ذاكرتها وذكاءها وثقافتها، لتقدم نفسها عبر هؤلاء الأدباء والشعراء والروائيين، الذين صادفتني أسماؤهم طيلة ذلك النهار، ابتداء من مقهى كافكا ومكتبة وشارع كافكا، إلى منزله ومقتنياته وصوره على فناجين القهوة والكثير، وكتيبات السياحة!
هكذا تتحول المدن إلى منتج ثقافي حميم وكثيف في المسافة بين التاريخ والحاضر، بين الأدباء العظام وسياح المدن، هذا التوظيف الذي لم تنجح مدننا العربية في الاشتغال عليه جيداً رغم غناها بالكتّاب والشعراء والصور والتاريخ الغارق في حكمته وجمالياته.