بقلم : عائشة سلطان
إذا كنت في روما فافعل كما يفعل أهلها؟ هكذا يقول المثل المتداول عن روما، لكن ما الذي يفعله أهل روما لنفعله مثلهم؟ سألت نفسي في المرة الأولى التي زرتها فيها، وها أنا ذا أسألها مجدداً، بعد أن تعبت من التجوال فيها، فخارت قواي منذ اليوم الأول وأنا لم أبدأ بعد في تتبع مشاهد الصفحة الأولى من التاريخ الذي يطالعك حيثما سرت في مدينة عُدّت منذ أزمنة طويلة متحفاً حقيقياً ممتداً على الأرض.
في اليوم الأول استعنت بموظف الاستقبال، فتح خارطة المدينة وصار يعدد لي بدقة أحببتها إلى أين يمكنني الذهاب في أيام الآحاد، وأين يمكنني الذهاب في بقية الأيام، وبما أنني في أحد الوصول، وقد وصلت في تمام تعبي، فقد آثرت التجوال في المربع الذي يقع فيه فندق إقامتي!
كانت «فيللا بورغيزي» أول محطات التجوال، ظننتها فيللا نادرة تحوي مقتنيات لتلك العائلة التي تحمل الفيلا اسمها، وتمثل حقبة من تاريخ روما وتحيط بها حدائق غناء، لكن الواقع فاجأني، فقد بدت الفيلا كأنها كانت عدة قصور متفرقة، تعود للقرن الثامن والتاسع عشر، تمتد مساحتها لعدة كيلومترات مربعة عبارة عن حدائق وغابات خضراء بلا نهاية، وفي أحد أطرافها بحيرة صغيرة يمكن للزوار استئجار قارب صغير والتنزه فيها، كانت الموسيقى تصدح في أنحائها، يعزفها موسيقيون يتعيشون من عزف آلات متفرقة، إضافة لآسيويين بلا عدد يبيعون كما في كل عواصم أوروبا بضاعة بلا قيمة، يتعلق بها الصغار فيشتريها الكبار مكرهين!
كنت كلما مررت بمنزل من تلك المنازل التي كانت قصوراً، أحس بسطوة الزمن وسطوة قوانينه، كانت الأبواب الخشبية المنقوشة بإتقان تلاشى عبر الزمن مؤصدة، حديدها صدئ، خشبها متآكل، وعشب كثيف ينبت بين المفاصل والعتبات، وعلى الطرقات التي تقود لتلك الأبنية مشت خطوات بلا حصر لأناس بلا عدد جاؤوا للفرجة ولالتقاط الصور والجلوس على الدرج الرخامي واحتساء المشروبات والثرثرة، ولو أن هؤلاء الناس قد فكروا ذات يوم من أيام العز الغابر في مجرد التسكع بجوار أسوار هذه القصور لما استطاعوا لذلك سبيلاً، ولخرج لهم أكثر من جندي مدجج كانوا يحرسون تلك الأسوار العالية التي لم يبق من آثارها إلا القليل!
أنت في روما تمشي في متحف ضخم، لكن عليك أن تمعن التأمل في سيرة الإنسان الذي لا يختلف عنه في كل مسيرته عبر قصة الحضارة!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان