بقلم : عائشة سلطان
أرسلت لي سيدة فاضلة تدير دار نشر عريقة في أحد بلداننا العربية، الذي شكل في زمن عربي مختلف إحدى منارات النهضة والحرية الفكرية، قالت في رسالتها: «لو أنك ترين كيف تعامل منشوراتنا في بعض البلاد العربية، هنا منع، وهناك مصادرة وسجن ناشرين، وغير ذلك مما يؤسف له».. وأكملت: «ففي دولة عربية كانت في سنوات الستينيات في أقصى تألقها من حيث الحريات، والتعليم، والمشاركة الشعبية، وأوضاع المرأة، تدهورت أوضاعها حتى وصلت لحدود الكارثة بسبب سيطرة المتشددين فيها، لذلك فنحن بصفتنا دار نشر معروفة وموثوقة لا يسمح إلا لـ 20% فقط من عناويننا بالتداول»، للأسف الشديد!
عندما كنا أطفالاً، وكنا بالكاد نتعثر في خطونا ونحن نستدل على طريق المكتبة خارج المدرسة، وبالكاد تستطيع قاماتنا الضئيلة أن تصل إلى الرف الثالث ربما في تلك المكتبة في شارع السوق القديم بديرة، في سنوات السبعينيات العتيقة تلك، كنا نشتري بكل حرية وبكامل طفولتنا المنبهرة روايات تحمل عناوين، مثل «زوربا اليوناني»، و«مدام بوفاري»، و«أنا كارنينا»، و«الغريب» لألبير كامو، وغيرها. اليوم بعد أن صارت هذه الكتب متاحة، كالهواء والماء في كل حوانيت الكتب المبجلة في دبي، وعلى تلك «البسطات» التي على أرصفة الشوارع المتربة في بعض العواصم، يطالعك وجه مكفهر في أحد أقسام الرقابة في إحدى وزارات الإعلام العربية، قائلاً: هذا الكتاب ممنوع، فيه عبارات خادشة للحياء! بينما الخادش للحياء والحياة أن يوجد إنسان مثله يفكر بهذا المنطق، ونحن نتحدث عن رحلات للمريخ!
وأيضاً، تعلق قارئة تمثل الكتب لها شغفاً حقيقياً، فتقول: «نحن في بعض بلداننا العربية لدينا إشكالية كبيرة بسبب غياب وتراجع الحريات، كيف لنا أن نصل إلى التقدم والإبداع بدون الحرية التي هي حق لكل إنسان»؟ وأتفق معها تماماً في أنه لا إبداع بلا حرية، فلو أن عقول هؤلاء الكتاب والمخترعين والفنانين والمبتكرين، كانت مسجونة في صندوق القمع والمنع والرقابة، لما وجدنا كل هذا الذي تتمتع به الإنسانية من اختراعات وفن وجمال ورقي في كل تفاصيل حياتنا!
يقول صحفي زميل: «في مقالك تتكلمين بعمق عن ألم نعيشه جميعاً بصفتنا كتاباً، ودون استثناء، فكم بودّنا أن يترك للكاتب والمفكر والمبدع فرصة للبوح دون تخوف أو عقاب».
إن الديكتاتوريات والفكر المتزمت هو الذي ابتدع إهدار دم الكاتب، أو قطع لسان الصحفي أو سجنه بسبب كتاب، أو إغلاق مكتبته بسبب رأي قاله، أو منع رواية من التداول لأن أحد أبطالها قال كلمة خادشة، وكأننا في الواقع لا نتحدث هكذا... كل هذا كلام نعلمه بالضرورة، وبسبب سيرورة الأحداث، لكن كثيراً من بلداننا وأنظمتنا بعيدة عن إدراكه على ما يبدو للأسف الشديد!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان