ما نقوله إذا تحدثنا عن الوحدة

ما نقوله إذا تحدثنا عن "الوحدة"!

ما نقوله إذا تحدثنا عن "الوحدة"!

 صوت الإمارات -

ما نقوله إذا تحدثنا عن الوحدة

بقلم : عائشة سلطان

تقول الكاتبة والناقدة البريطانية أوليڤيا لاينغ من خلال كتابها (المدينة الوحيدة): «بإمكانك أن تكون وحيداً في أي مكان، ولكن هناك نكهة خاصة للوحدة حين تكون في مدينة ومحاطاً بملايين البشر، إن هذا الحضور المادي لهذه الملايين البشرية لا يصنع الألفة، كما أنه لا يكفي لتبديد الشعور الداخلي بالعزلة»!

الوحدة ليست في انتفاء البشر حولك ولكنها تتجسد في أقصى تجلياتها حين تنعدم حالة العلاقة أو القرب أو الحب بينك وبين الآخرين، ما يعني تراكم التعاسة في داخلك تدريجياً دون أن تشعر، تماماً كما يتراكم الغبار على عدسات النظارات أو الصدأ على قضبان النحاس، إنه هناك وموجود وبكثافة لكننا لا نراه ولم ننتبه كيف تراكم بهذا المقدار!

إشكالية الإنسان المعاصر مع الوحدة تكمن في المدينة المعاصرة الضخمة الشاسعة المتداخلة، التي اختارها للسكن بكل السرديات المعقدة لأسلوب العيش فيها، كما تكمن في الاتجاه المغرق في الفردانية الذي اختاره لتصريف حياته، في مساحة الحرية الشخصية التي طالب بها وأمعن في التمسك بها، في الأخلاقيات ومنظومة القيم المدنية التي اخترعها ونسّق مساراتها لتتناسب مع بعضها ومع مصالح معيشته، هذا كله أسطر الوحدة وجعلها رعباً حداثياً مقيماً في كل مكان وغير مرئي وسط الحشود تماماً كغبار متراكم على عدسات نظاراتنا الملقاة بإهمال على الطاولات في غرف المعيشة!

ولأننا أمعنا في الاعتزاز بشخوصنا وإنجازاتنا الصغيرة، وأمعنا في وحدتنا، صار من الصعب على كثيرين الاعتراف بالوحدة باعتبارها مرضاً يستدعي العلاج، أو البحث الجاد لتحديد أسبابها والعمل الجاد أيضاً للاستشفاء منها؛ لأن قبولها والتعايش معها قد يقود لنتائج وخيمة على البعض، ولعلّ ظاهرة الانتحار في كثير من بلاد الغرب واحدة من تجليات هذه النتائج، بينما شهدت بنفسي رجالاً ونساءً دخلوا في الوحدة وانتهوا إلى الصمت والمرض والتلاشي!

بينما تحولت الوحدة عند كثير من الكُتاب والرسامين إلى شكل من أشكال الإلهام فأبدعوا حتى ماتوا مبكراً، ڤرجينيا وولف واحدة من أشهر هؤلاء، وفرانز كافكا، والرسام الأميركي إدوارد هوبر الذي تستعرض الكاتبة في كتابها العديد من لوحاته التي عُدت مجالاً رحباً لدراسة ظاهرة الوحدة في مدينة الوحدة «نيويورك» الضاجة بالبشر والثقافة والمال والفن والأسواق واللاعلاقات حقيقية!


المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما نقوله إذا تحدثنا عن الوحدة ما نقوله إذا تحدثنا عن الوحدة



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 14:38 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 18:45 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 11:33 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 16:51 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

اضيفي اجواءًا جريئة ومشرقة على جدران المنزل

GMT 20:37 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

مطعم ياباني يقدم وجبات لحوم البشر بـ 20 ألف جنيه

GMT 17:53 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

ندوة لمناقشة رواية "منتصر" في مكتبة "البلد"

GMT 04:12 2020 السبت ,09 أيار / مايو

برشلونة يقترب من حسم صفقة نجم يوفنتوس

GMT 11:39 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كيت ميدلتون توضح تفاصيل اللقاء الأول مع الأمير وليام

GMT 04:07 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

انتقادات قوية لرئيس بريشيا الإيطالي بسبب بالوتيلي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates