بقلم - عائشة سلطان
منذ سنوات سمعت صديقة، غاب عني اسمها، أنها لا تستطيع بل لا تتصور مطلقاً أن تعيش بمفردها، أن تأكل أو تتنزه أو تسافر دون أن تكون برفقة شخص ما، أي شخص، المهم أن لا تكون بمفردها، قالت يومها مبررة ذلك بأنها شخص اجتماعي جداً، تجيد الحياة وسط جماعة من الناس، تتحمل المزاح الثقيل بسعة صدر، وتتقبل الآراء المخالفة لها، وأن لديها استعداداً فطرياً لمساعدة الآخرين والتعاون معهم تحت أسوأ الظروف، شعرت بها يومها كمن تتوقع لنفسها نهاية محتملة قد تجعلها تمضي الحياة وحيدة بلا شريك، ولذلك فهي تواجه هذا القدر على طريقتها الخاصة !
لم تنته بها الحياة وحيدة، فقد عاشت تحيط نفسها بالأصدقاء دائماً، فإن ابتعدوا عنها بحثت عنهم بكل الطرق الممكنة خشية الوحدة، ثم تزوجت رجلاً كان يعيش خارج المنزل أكثر مما يعيش داخله، وأنجبت أبناء لم تعتن بهم بما فيه الكفاية فارتبطوا بالمربيات طيلة الوقت، ومع ذلك فقد كانت تشعر بأنها محاطة بالأصوات والضجيج وبأنها بعيدة عن الوحدة، بينما هي في حقيقة الأمر تقبع في عمق الوحدة، لكنها لا تريد أن تقترب من ذلك فقد اخترعت لنفسها تصنيفاً وتعريفات خاصة ومضت في الحياة !
ماذا لو أنها منحت نفسها (هي ومن يؤمنون أن للحياة طريقاً واحداً فقط) فرصة أن يجربوا طريقاً آخر، فربما نجحوا في اكتشاف أنفسهم وقدراتهم الأخرى المختفية عبر ذلك الطريق، ربما تأكد لها بالتجربة أنها تستطيع أن تعيش وتسافر وتتحرك بمفردها وبقواها الخاصة دون الاعتقاد بأنها ضعيفة وعاجزة وتشعر بالضياع دائماً في ظل عدم وجود أحد بجوارها ؟
نحن نحرم أنفسنا فرصة اكتشاف الجانب الآخر فينا، الجانب المختبئ، الخفي، الذي لم يمنح الفرصة ليظهر وينير حياتنا، هذا ما يمكن تسميته الحياة بصحبة أنصاف الحقائق، وأنصاف الحياة !