بقلم _ عائشة سلطان
حين نتحدث عن عظمة الأدب وخلود الأعمال الأدبية، فإننا لن نجد مثالاً أفضل على ذلك من الأدب الروسي، ففي خضم هذا العالم الأدبي المترامي الأرجاء، تبرز أسماء يصعب علينا المفاضلة بينها بسهولة، فمعظم أدباء روسيا الذين لمعت أسماؤهم في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، كانوا عظماء فعلاً، ليس لأن السلطة دعمتهم أو لأن الصحافة جاملتهم وصنعت منهم أسماء كبيرة من فراغ.
ولأنهم كانوا مجيدين وقد أنتجوا وخلفوا وراءهم تاريخاً من الأدب يشار إليه بفخر، بعد أن ذاعت شهرته في أرجاء الدنيا، إثر ترجمته لمعظم اللغات الحية، وبعد أن تحولت هذه الأعمال لأفلام سينمائية أدى أدوارها ممثلون كبار، وبعد أن اعتمدت كمواد دراسية ثابتة في كثير من الجامعات والكليات، وأعدت حولها رسائل علمية في كل مكان، والأهم أنه لا يزال ينشر ويترجم ويقرأ حتى يومنا هذا!
ألا يحق لهذا النتاج الأدبي ولهؤلاء المبدعين بعد هذا كله أن يكونوا خالدين فعلاً؟ فما هو الخلود إذن بالنسبة لكاتب أو رواية أو عمل مسرحي، إن لم يتجلَ في بقائه حياً في أذهان وذائقة القراء، وطازجاً كأنه كتب اليوم رغم مرور هذا الزمن الطويل، إن الزمن لم يؤثر في هذه الأعمال كما لم يأخذ شيئاً من وهج وألب أعمال ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو وفنسنت فان جوخ ورينوار وغيرهم!
هذا هو المعنى المتجلي لخلود العمل الأدبي، إنه البقاء حياً، متداولاً، مرغوباً، قابلاً للنقاش والإعجاب دائماً، وباعثاً للدهشة الكاملة، والأهم أنه العمل الذي لا ينسى ويبقى محفوراً في القلب، لا علاقة له بالملل والسأم وصفات الضعف والتفاهة والضحالة!!
فكيف وصل هؤلاء لهذا المستوى؟
الكتابة موهبة حقيقية تأتيك كهبة من السماء ربما، لكنك تعمل ليل نهار لتطويرها وصقلها، فتقرأ، وتلم بجوانب المعرفة الإنسانية في مجملها، وتعرف الحياة وتعيشها كما ينبغي، فتستقي شخصياتك منها، تختارهم مختلفين وترسمهم بعبقرية بحيث لا تدع لهم مجالاً أن يتساقطوا من ثقوب الذاكرة أبداً، تعرف مكنونات النفس البشرية، وتعيش تجارب الحياة بكل مصاعبها، تقرأ في الفلسفة والحكمة، تتأثر بنماذج فذة، وتكون لديك قضية تناضل لأجلها بواقعية صرفة.. إذا أردت أن تكتب شيئاً يستحق الخلود!