عائشة سلطان
هكذا ودون مقدمات انتهت أيام معرض أبوظبي للكتاب في دورته الخامسة والعشرين، احزنني الأمر قليلا، فعن نفسي كانت ايام المعرض رغم تعبها واجهادها الجسدي الذي تسبب لي آلام شديدة في قدمي الا انها كانت كاستراحة محارب حقيقية، وهنا تكمن المفارقة، فالإنسان عادة ما يرتاح اذا ترك او فارق او ابتعد عن المشاق والتعب والإجهاد وقارب الدعة والكسل والراحة، لكنني وجدت في ايام المعرض فرصة حقيقية للخلاص من ضغوطات الخارج وما أكثرها، فحين أغادر غرفتي صباحا في الفندق الذي أقيم فيه متجهة مباشرة إلى قاعات المعرض الإثنتي عشرة دون المرور بالمطعم ودون ان اتناول الإفطار، اشعر أنني أنفصل تماما عن عالم ما لأدخل شيئا فشيئا عالما مختلفا تماما، هذا ما أشعر به كل يوم عند الساعة العاشرة صباحا على وجه التحديد !
في قاعات معرض الكتاب حياة ثانية مختلفة عما تركته خلفي، حياة تتفاعل في نطاق صغير وضيق تفرز فيه اشكالها وأصواتها، وعلاقاتها وصفقاتها، قد تكون المشهد المكتوب الأكثر حيوية وسحرا وتأثيرا كذلك، هكذا حدثت نفسي وأنا اسير داخل احشاء المعرض لآخر مرة، ألقي التحايا واتوقف امام الكتب واحيي الوجوه التي اتعرف عليها، فهنا كتب كثيرة جدا وقراء كثيرون أيضا لكن لا أحد يقرأ ولا أحد يكتب، فالكل يتزود بالكلمات والأوراق، يحمل منهما ما استطاع ليختلي بهما لاحقا في بيته او مكتبه او مقهاه المنزوي ليقرأ، الجميع يأمل ذلك، وأظن أن كثيرين ممن يأملون سيأتون العام المقبل ليشتروا كتبا أخرى دون ان ينتهوا من كتاب واحد مما اشتروه هذا العام، ليعدوا بناء آمال أخرى، فتتحول العلاقة بالكتب الى ادمان اقتناء في احيان كثيرا واعترافا حقيقيا بعدم القدرة على مقاومة الكتاب !
في ايام المعرض السبعة لم اشرب كوب شاي واحدا، ولا تناولت طعام افطار يوما، وغالبا ما يمر يوم أو يومان دون قهوة، هذه أمور اشبه بالأعاجيب بالنسبة لي، لكن المعجزة أنني كنت أنام في الثانية عشرة أو بعدها بقليل، بلا اية افكار او محاولات للتفكير في اي أمر ودون محاولات للتودد للنوم ومناداته ليندس بين جفوني!
كان يحط كقضاء وقدر ودون اية مقدمات بمجرد دخولي الغرفة كل مساء.
مع ذلك فإن الأمر اللافت أكثر خلال السبعة أيام الماضيات كان نسياني تماما لوجود جهاز تليفزيون مواجه لسريري، نعم لم اشاهد التليفزيون ولا سمعت شيئا عن الحوثيين واليمن وليبيا وبراميل بشار الأسد وداعش والمواصل وأوباما و..... كل ما كنت أراه وأسمعه عناوين الكتب والروايات وكثيرا من شكاوى الناشرين المعتادة، تلك الشكاوى افضل مليون مرة من نشرة اخبار العاشرة !!