مصعد الكراهية

مصعد الكراهية!

مصعد الكراهية!

 صوت الإمارات -

مصعد الكراهية

عائشة سلطان

كعرب ومسلمين، نحن لا يمكننا التعايش مع هذه الهوية الدينية والثقافية المركبة بسلام واعتزاز وطمأنينة، كما لا يمكننا أن نغير أفكار وانطباعات الآخر وحمله على النظر لنا كجماعة مسالمة ومتحضرة، طالما رضينا بأن نظل على امتداد التاريخ أرضا حاضنة للإرهاب والإرهابيين ومفرخة للتطرف والمتطرفين الذين لا يكفون طيلة الوقت عن انتزاع حق الله في تقييم إيمان البشر وبكل وقاحة، فيلقون بهؤلاء في النار ويدخلون أولئك الجنة ويوزعون صكوك الغفران كما يشاؤون وكأننا نعيش في القرون الوسطى بين دهاليز الكنائس ورجال الكهنوت من أصحاب نظرية التفويض الإلهي التي لطالما سخرنا منها وانتقدناها ونحن أطفال على مقاعد الدراسة، فإذا بنا نجد أنفسنا اليوم محاطين يمينا إن التفتنا ويسارا إن توجهنا بقبائل همجية من أصحاب التفويض الإلهي تقول إنها تؤسس لخلافة إسلامية قوامها الذبح والقتل والخراب وقطع الرؤوس!

في هذا الصيف تحديدا، وبعد أن زادت مرات سفراتي الى أوروبا كثيرا، وبعد أن قلت مرارا إن السائح أو القادم من خارج القبيلة الأوروبية إلى الغرب محكوم بسلوكه الفردي وتصرفاته الخاصة ومظهره العام، وأنهم هناك لا يتعرضون لك طالما بدوت محترَما ومحترِما للآخر والقانون، وأن ما نسمعه وما نقرأ عنه يبدو من قبيل المبالغات والتهويل.

اليوم أجدني أعيد مراجعة هذه المقولات، لأنك كعربي وكمسلم أصبحت مربوطا بشكل واضح أو خفي بتلك القبائل الهمجية التي أغلقت عليها أبواب وطن كامل يوم غادرت الجغرافيا العربية، في الحقيقة اكتشفت أنه في ظل ثورة التكنولوجيا والتواصل والمعلوماتية تتسلل داعش من ثقوب كل كمبيوترات العالم لتقف بينك وبين العالم، لتشير إليك بأنك تنتمي مثلها لنفس الجغرافيا والمناخ والثقافة والسياسة، فلا تتعجب من كم العنصرية التي ستواجه بها بعد ذلك.

في أحد الفنادق الألمانية، وكنت قد ركبت المصعد صباحا مع مجموعة من السياح الأجانب الأميركيين، نظر إلي أحدهم بعجرفة واضحة وسأل بعربية صرفة: من فين أنتم؟عرفته على الفور من لكنته الفلسطينية، قلت له من الإمارات، «وأنت ؟ سألته وقد تيقنت من هويته الإسرائيلية بشكل قاطع، أجابني بثقة من الأرض المقدسة «إسرائيل»، وعندما فتح المصعد سارع للقول تشرفت بلقائك، لم أبادله العبارة، وأسرعت كمن يهرب من كارثة الى حيث تجلس عائلتي أخبرهم بما حدث.

نحن لا نعيش وحدنا على هذا الكوكب، وفي الوقت الذي نركن نحن للثرثرة ومواجهة داعش بالخوف منها والتهويل من حجم نفوذها وسطوتها، يعمل غيرنا على استغلالها لربطها بالعرب الهمجيين الذين يحاربون أبناء الله في الأرض المقدسة، لتسوء صورتنا أكثر وتزداد أرباحهم أكثر، في هذا العام تحديدا لاحظت أن الغلظة والنفور تجاه العرب كان واضحا، وكأننا ندفع فاتورة داعش والإخوان وثقافة الرؤوس المقطوعة!

إن الذي أضاء ليل التقاعس العربي لخلق صور بديلة وناصعة كانت مبادرة حكومة الشارقة التي أقامت أسبوعا ثقافيا في مدينة كولون تزامنا مع زيارة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي للمدينة ومتحفها العظيم.

لا نطالب باتقاء الغرب ولا بالتزلف لهم ولا نخاف منهم، لكننا خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف، والغرب يعرف السلام باللغة المكتوبة كما قال أحمد بودهمان، وليس بالهمجية والصوت العالي، وطالما نحن بحاجة للسفر والتعلم والاستيراد والطبابة وغير ذلك من الغرب، فلا علينا سوى أن نمد جسورا من تفاهم وحضارة تردم الثقوب السوداء التي تنفجر على أرضنا كل حين، كي لا نختنق في وطن كبير يريده لنا البعض أن يصير مصعدا مملوءا بالكراهية ومعلقا بين السماء والأرض!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصعد الكراهية مصعد الكراهية



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates