عائشة سلطان
في واحد مما يشار إليه باعتباره مركزاً للأناقة وملتقى للذوق الرفيع، جلست سيدتان منتقبتان ومتسربلتان في سواد ثيابهما التقليدية، بصحبتهما ثلاثة أطفال كأنهم لم يسمعوا توجيها في يوم من الأيام ولا تلقوا أي شكل من التربية القديمة سوى تربية أجسادهم المترهلة، جاءت الأمهات بأطباق الطعام واحتار الأطفال أين يجلسون دون أن يتخلوا عن دراجاتهم الصغيرة وزلاجاتهم، ألقوها بإهمال كامل في الممر حيث يعبر عشرات الناس، الأمّان المنتقبتات المتدينتان كانتا أكثر لا مبالاة من أطفالهما، لم تحاول أي منهما رفع الأذى عن الطريق، فجأة تعثر رجل طاعن في السن بأحد تلك الزلاجات ووقع على الأرض، لم تحرك أي من السيدتين ساكناً واكتفتا بالفرجة، قالت أميركية تجلس على طاولة مجاورة (شعوب بلا أخلاق) وقالت إحدى السيدتين (ليش ما يفتح عينه وهو يمشي).
هذا هو الشرح البسيط لسوء الفهم الحضاري بيننا وبين الآخر الأكثر تحضراً !!
في أحد المطاعم الإيطالية التي تعد مقصداً للشباب بشكل عام، جلس شابان إماراتيان يتناولان شيئا من البيتزا والسلطة، المكان يعبق بروائح الطهي وموسيقى الجاز الصاخبة، وجموع من الفتيان والفتيات الفاتنات، فجأة دخل رجل يدب على الأرض ببطء ظاهر نظراً لكبر سنه، طلب مكرونة بالفطر والصلصة البيضاء وجد صورتها ملصقة أمامه ودون أن يتكلم أشار للطاهي إلى انه يريد مثلها ولكن بالإشارة، انتظر حتى تسلم وجبته وجلس إلى أقرب طاولة، كان يتلفت في كل الاتجاهات يبحث عن شيء ، لكنه لم يعرف كيف يسأل، غرس رأسه في الطبق وأخذ يأكل.
نهض أحد الشابين، نظر في صينية الرجل من بعد، وذهب ليحضر كأس ماء ومناديل ورقية، لاشك أن الرجل كان يبحث عنها لكن أحداً لم يُعره اهتماماً.
هذا ما يسمونه سمو الخلق وتحضر الإنسان حين يحترم شرطه الإنساني ويتعامل به مع الآخر.
الحكاية لا يجوز تعميمها من وجهة نظر واحدة، ليس هناك خير كامل ولا شر بحت في الأفراد أو في الحضارات والشعوب، وجد الإنسان ليسعى في الأرض عمارة وبناء واجتهادا، وليس لأي شيء آخر خلقه الله، مع ذلك فلابد ألا يتوقف عن الارتقاء بشرطة الإنساني ليس لأن الآخرين يريدون منه ذلك، وليس لإرضاء قوم على حساب آخرين، ولكن لأن هذا هو دوره في دورة الحضارة.