لماذا ‬يهربون

لماذا ‬يهربون ؟

لماذا ‬يهربون ؟

 صوت الإمارات -

لماذا ‬يهربون

عائشة سلطان

توقفت‎ ‬بكثير ‬من ‬التبجيل ‬والتفكير ‬أمام ‬مجسم ‬رخامي ‬أبيض ‬عبارة ‬عن ‬مجموعة ‬كتب ‬رصت ‬فوق ‬بعضها ‬بعضاً، حتى ‬ارتفعت ‬بشكل ‬شاهق، وعلى ‬كعب ‬كل ‬كتاب ‬من ‬هذه ‬الكتب ‬حفر ‬اسم ‬واحد ‬من ‬عظماء ‬الكتاب ‬والفلاسفة ‬الألمان ‬من ‬وزن: غوته، بريخت، هيرمان ‬هسه، شيللر، ماركس، هيجل، الأخوان ‬غريم، كانت لوثر ‬وغيرهم، هكذا ‬تكرم ‬الأمم ‬المتحضرة ‬كتابها ‬الحقيقيين، ‬الذين ‬شكلوا ‬إضاءات ‬مبهرة ‬في ‬تاريخ ‬الفكر ‬الإنساني ‬في ‬كل ‬المجالات: ‬الرواية، الشعر، الفلسفة، الدين، المسرح، القصة ‬القصيرة.. إلخ، لقد ‬صنع ‬هؤلاء ‬تاريخاً ‬آخر ‬مجيداً ‬وعصياً ‬على ‬الاستنساخ ‬والنسيان ‬لأمتهم ‬وللإنسانية ‬بالتوازي ‬مع ‬مجدهم ‬الشخصي، صنعوه ‬بالطريقة، الصحيحة ‬والمحترمة، ‬بالتجربة ‬والمعرفة ‬والحرية، صنعوه ‬بإعلاء ‬قيمة ‬العقل ‬والفكر، ‬وبذواتهم ‬الممتلئة ‬بالمعرفة و‬حب ‬البحث ‬واحترام ‬الإنسانية، ‬تعرضوا ‬للنقد ‬والتجاهل ‬والتسفيه ‬أحياناً‬، ‬لكن ‬ما ‬انتجوه ‬هو ‬ما ‬صمد ‬في ‬نهاية ‬الأمر ‬وهو ‬ما ‬غير ‬وجه ‬التاريخ، ‬من ‬خلال ‬الكتب ‬والأفكار ‬والفلسفات ‬التي ‬أبدعوها ‬بمنتهى ‬العظمة‬.

أفكر‎ ‬أحياناً‬، ‬لماذا ‬لا ‬ينتج ‬العالم ‬العربي ‬فلاسفة، ‬كما ‬ينتج ‬مطربين، ‬ودواعش ‬ومفتشي ‬عقول ‬يحللون ‬دم ‬الكاتب ‬ويبحثون ‬في ‬نواياه ‬وتلافيف ‬دماغه ‬عن ‬تهم ‬جاهزة ‬لمحاربته ‬والخلاص ‬منه‬؟ ‬متى ‬كان ‬آخر ‬فيلسوف ‬مشى ‬على ‬الأرض ‬العربية‬؟ ‬لن ‬يكون ‬لدينا ‬فيلسوف ‬وكاتب ‬عبقري ‬إذا ‬ظل ‬الناس ‬يساومون ‬في ‬سعر ‬الكتاب ‬كما ‬يساومون ‬في ‬شراء ‬البطاطا ‬ويقبلون ‬بأي ‬سعر ‬للبيتزا ‬والأطعمة ‬السريعة ‬الملوثة‬، ‬لن ‬نصنع ‬نصباً ‬لكاتب ‬وفيلسوف ‬أو ‬مجسماً ‬لكتب ‬طالما ‬ظل ‬الناس ‬تسخر ‬من ‬الفيلسوف ‬والعبقري، ‬وظل ‬الفيلم ‬والمسلسل ‬ومعظم ‬الفن ‬يسخر ‬من ‬المعلم ‬والطبيب ‬والروائي ‬ويصورهم ‬بشكل ‬كاريكاتيري ‬يثير ‬الشفقة!

هناك‎ ‬ظاهرة ‬تتفشى ‬بين ‬الكثيرين ‬هذه ‬الأيام ‬ويمكن ‬وصفها ‬بحالة ‬النكوص ‬للماضي ‬فيما ‬يخص ‬الفن ‬الذي ‬صار ‬يوصف ‬بفن ‬الزمن ‬الجميل ‬أو ‬فن ‬الأبيض ‬والأسود، ‬فن ‬العمالقة ‬والكبار ‬من ‬الشعراء ‬والملحنين، ‬والمطربين، ‬فن ‬أم ‬كلثوم ‬وأحمد ‬رامي ‬والسنباطي ‬وشوقي ‬وعبدالوهاب ‬والقصبجي ‬ونجاة ‬الصغيرة ‬وفيروز، ‬هذا ‬الحنين ‬والعودة ‬للفن ‬في ‬أعظم ‬عصوره ‬الذهبية، ‬سببه ‬الوعي ‬الحقيقي ‬بمخاطر ‬تجريف ‬الذائقة ‬العامة ‬للإنسان‬، ‬لذلك ‬فهو ‬يقاومها ‬بالزهد ‬الكامل ‬في ‬الحالة ‬الفنية ‬المتردية ‬والمستشرية ‬في ‬كل ‬المجالات، ‬إن ‬هذه ‬العودة ‬لفن ‬الزمن ‬الجميل ‬لا ‬تعني ‬أجيال ‬الخمسينيات ‬والستينيات ‬فقط، ‬فسلامة ‬الذوق ‬حالة ‬إنسانية ‬عامة ‬لا ‬تخص ‬جيلاً ‬بعينه ‬فحتى ‬الأجيال ‬الشابة ‬تعلن ‬نفورها ‬مما ‬يجري ‬بالذهاب ‬لنقاء ‬الفن ‬والأدب ‬والفلسفة، ‬إنه ‬الذهاب ‬الحقيقي ‬لإنسانية ‬الإنسان ‬المبجلة!

"الاتحاد"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا ‬يهربون لماذا ‬يهربون



GMT 20:38 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

المخرج الكوري والسعودية: الكرام إذا أيسروا... ذكروا

GMT 20:38 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هل سيكفّ الحوثي عن تهديد الملاحة؟

GMT 20:37 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

برّاج في البيت الأبيض

GMT 20:36 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

الاستعلاء التكنوقراطي والحاجة إلى السياسة

GMT 20:36 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

مخاطر مخلفات الحروب

GMT 20:35 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ماذا عن التشكّلات الفكرية للتحولات السياسية؟

GMT 20:35 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أسعار النفط تحت تأثيرات التطورات الجيوسياسية

GMT 20:34 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

إعادة الاعتبار للمقاومة السلمية

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 02:40 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 17:54 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

زيت النخيل مفيد لكن يظل زيت الزيتون هو خيارك الأول

GMT 04:49 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

وحيد إسماعيل يعود لصفوف الوصل

GMT 19:51 2019 الأحد ,13 كانون الثاني / يناير

شركة "سامسونغ" تحدد موعد إطلاق أول هواتفها القابلة للطي

GMT 22:19 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف إلى خطة مدرب الشارقة لمواجهة الوحدة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates