عائشة سلطان
عندما ثارت قضية تخصيب اليورانيوم في إيران وانفتح ملفها النووي على مصراعيه وبدأت نذر أزمة كبرى في المشهد الدولي بين الغرب وإيران بسبب هذا الملف الخطير، وبدأت الزيارات المكوكية المعتادة للخبراء والمفتشين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، توقع العالم حدوث أمر جلل، أمر مماثل لما حدث في العراق، ونسوا أن إيران ليست كالعراق، وأنها حليف دائم للغرب على امتداد التاريخ، يومها انهالت التقارير الأمنية والمقالات الصحفية من الشرق ومن الغرب وكلها تقريباً كانت تتنبأ بضربة أميركية خاطفة توجه لإيران من قبل الولايات المتحدة على خلفية ضغط ومخاوف إقليمية خشية إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز مثلاً أو توجيه ضربة لإسرائيل، المخاوف كانت عالية النبرة وقد رفعت حالة الخطر في إسرائيل يومها للدرجة القصوى وكذلك كانت المخاوف من قبل الخليجيين بشكل عام، وظل العالم يترقب عملًا عسكرياً ما بين لحظة وأخرى ما قاد لانهيارات مختلفة على الصعيد الاقتصادي وأسعار النفط وقيمة الاستثمارات العقارية وغيرها !!
ما حدث هو أن الولايات المتحدة لم تضرب إيران ولم تقترب من أمنها القومي، فبعد صفقة العراق بدا واضحاً أن إيران حليف حقيقي لها وأن كل تلك التهويلات ليست سوى مقدمة لمفاجأة التوقيع على الاتفاق النووي بينهما والذي أنهى التوتر ومنح إيران الفرصة للاسترخاء وللعبث بأمن دول المنطقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والبحرين واليمن، فما أقدمت عليه إيران في ملفها النووي وفي سوريا من تصعيد لدورها هناك لم يكن سوى أحد أوجه اللعبة العالمية المعتادة بين الأمم من أجل تقوية الموقف وتحسين شروط التفاوض فيما لو جلس الطرفان على طاولة المفاوضات لإبرام أية صفقة من أي نوع، بمعنى أنها عملية عض أصابع لا أكثر نجحت إيران من خلالها في تفويت فرصة الضربة والحصول على اتفاق نووي بشروط جيدة !!
الآن تقوم قيامة الدنيا لأن تركيا أسقطت طائرة سو خوي 24 روسية اخترقت المجال الجوي التركي، بينما تنفي روسيا ذلك بشدة، مع تأكيد تركي مستمر وتتبع التأكيد بكلام عن صبرها الذي نفذ حيال اختراق روسيا لسيادتها وأمن شعبها، بمعنى أنها ليست المرة الأولى، وهنا أيضاً انهالت التعليقات والتحليلات عن نذر حرب عالمية وأزمة طاحنة وضربة روسية انتقامية و... إلخ.
ما سيحدث هو أنه في الساعات المقبلة ستتأزم الأمور أكثر بين أنقرة وموسكو وسيتبادل الطرفان الاتهامات، لكن السياسة ستتفوق على الهذيان الذي يملأ الفضائيات، ولن تتطور الأمور أكثر من ذلك، وربما جلس الطرفان وحلا الأزمة بالطرق الدبلوماسية وربما اعتذرت تركيا إذا تأكد أن هناك إخطاراً روسياً بتحليق طائراتها مخترقة الحدود التركية في طريقها لضرب قواعد داعش !!
يحتاج العالم لأن يشعر بشيء من الأمان حيث لا ينقصه شيء من الحروب والأزمات، لكن على ما يبدو الجميع صار يتوقع حريقاً من أصغر شرارة وأصبح حديث الحرب أقرب الاحتمالات.