عائشة سلطان
هناك عاملان حاسمان لعبا دورهما في قلب الطاولة رأساً على عقب في وجه الاتجاه الإعلامي الذي كان سائداً قبل أكثر من خمسة عشر عاماً في إعلام القنوات التلفزيونية، ذلك التوجه بكل خطوطه من ناحية البرامج والأسماء اللامعة لإعلاميين وإعلاميات وكذلك من حيث اللغة التي كانت سائدة والأفكار التي كان يروج لها وينطلق منها ذلك الإعلام إضافة لشكله وإمكاناته التقنية و... العامل الأول والرئيس هو الخصخصة ورفع يد الحكومات عنه بنسبة كبيرة جداً خاصة فيما يتعلق بالتمويل.
العامل الثاني الذي أفرز معظم الإعلام العربي الجديد هو التغيرات الثقافية والسياسية التي خضت العالم العربي والتي أفرزت مئات من القنوات والصحف والإذاعات في طول العالم العربي وعرضه أشبه بالدكاكين التي تبيع كل شيء بدرهم، دكاكين تروج أول ما تروج للطائفية والصراعات المذهبية وللرداءة، وقلة الأدب والذوق وسطحية الأفكار وإظهار العرب بصورة مسيئة تعزز تلك التي كرستها كثير من كتابات المستشرقين حول العرب من أنهم لا يهتمون بغير شهواتهم، وأنهم أناس متصارعون على الدوام وهمجيون وكسالى وفوضويون والبرامج الحوارية التي يتشاتم فيها الضيوف ويقذفون بعضهم بالكراسي أمام المشاهدين خير مثال !
تمدد هذا الإعلام في بيئة الغفلة والانشغالات بما يجري من فوضى وصراعات تحت عنوان براق وخادع في الوقت نفسه هو حرية الرأي والتعبير ! فهل يقبض أصحاب هذه الدكاكين من المصدر نفسه ليؤدوا هذه المهمة لصالح طرف ما، أم أن الأمر إفراز طبيعي لحالة الرداءة العامة، كلا الاحتمالين واردان !
الاتجاه لخصخصة الإعلام وتحديدا الإعلام المرئي (التلفزيونات) لم يخدم هذا الإعلام، فنحن أمام قنوات ناجحة (تجاريا طبعا) تسابق الزمن وتنطلق بسرعة الصاروخ لتحوز النصيب الأكبر من حصة الإعلانات في مواجهة قنوات فاشلة في خياراتها ومضامينها لا تفعل شيئاً سوى استنساخ ما تقدمه تلك القنوات بأسماء ووجوه أخرى، في الوقت الذي لم تقدم فيه تلك الناجحة شيئاً جديداً خارج الاستنساخ لكنها ربما كانت أكثر حرفية، فحتى حين تستنسخ، مطلوب منك في الإعلام أن تمتلك الحرفية !
قنواتنا العتيدة تحسب نجاحها بعدد الإعلانات التي تخترق البرامج بشكل لا يجعل للبرنامج أو المسلسل أو حتى نشرة الأخبار قيمة تذكر، فالمهم ماذا يريد المعلن وليس ما يطلبه المشاهدون، فالمشاهد عليه أن يقبل بهذا الذي يعرض عليه ويسكت أو ليقلب المحطة فهناك مئات الخيارات وهذا ما يحدث غالبا.