عائشة سلطان
ذكرت هذه الواقعة في فصل أخلاقيات الصحافة حين كنت أحضر للماجستير منذ عدة سنوات، كما ذكرتها في أحد المقالات ولا زلت أضربها مثلا لأخلاقيات الصحافة واحترام حقوق الآخرين، أيا كان هؤلاء الآخرون، والآخر لغة هو الـ (غير) أي الشخص أو الإنسان الذي هو غيرنا، وهو قد يكون منا من ديننا وثقافتنا وقد لا يكون، وإذن فلا يجوز ان تساق كلمة الآخر بمعنى المختلف أو الكافر كما يحلو للبعض تفسيرها، وعليه فالطفل يعتبر (آخر) له حقوق ويجب احترامها ولأجله صدرت اتفاقية دولية وقعت عليها دول العالم الكبرى والصغرى (الإمارات من أوائل الدول التي وقعت) وقد صدرت تحت عنوان « اتفاقية حقوق الطفل» وضمن سياق الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، مناسبة هذا الكلام أن الواقعة التي أتحدث عنها لها علاقة بالكفل أساساً وبحقوق وأخلاقيات الصورة في الإعلام والحياة العامة بشكل عام!
أن يكون لك رأيك في واقعة تحدث أمامك، وأن تعجب بشيء ما أو بحدث ما، ذاك أمر مشروع ومباح لك، غير المشروع أو المباح هو أن تقوم بتصوير الواقعة أو الطفل أو المرأة أو المشادة بين رجل وامرأة أو... بدون علم الأشخاص أصحاب العلاقة أو موضوع الصورة، خاصة إذا كان الأمر سيتعدى التصوير للنشر والإذاعة، بعيدا عن عواطفك النبيلة ونواياك الحسنة، لا ننسى المثل « الطريق لجهنم مفروش بالنوايا الطيبة « يعني أن الركون للنية الطيبة والذهاب معها عميقا يمكنه ان يودي بنا لما لا تحمد عقباه، القانون يحمي حقوق الناس وحرياتهم ومصالحهم وأرواحهم وأجسادهم بطبيعة الحال!
كنت قد هبطت لتوي من القطار قادمة من مدينة ڤيرونا الايطالية، كانت محطة قطارات ڤينيسيا تعج بالسياح من كل الأعمار والجنسيات، كانت البهجة واضحة في وجوههم وأصواتهم وضحكاتهم، عبرنا الشارع وقفنا على الرصيف البحري بانتظار التاكسي المائي وفجأة توقفت حافلة مدرسية وأوقفت حركة المرور لأجل سلامة الأطفال، نزلوا طابورا منظما كعادة أطفال المدارس وكانت المعلمة تتفقدهم واحدا واحدا، كان المشهد خاطفا للقلب أخرجت الكاميرا والتقطت لهم صورة، فجأة انقضت المعلمة وبدأت سيلا من الحديث الحاد بالايطالية، لم أفهم منه كلمة واحدة، تبرع أحدهم وترجم لي ما قالت، ممنوع تصوير الأطفال هذا مخالف للقانون الايطالي ولحقوق الأطفال، أحنيت رأسي اعتذارا ومسحت الصورة أمامها، هزت رأسها ومضت ولم أنس الموقف أبدا حتى اللحظة!
المجتمع معني بالحفاظ على حقوق أفراده أطفالا أو غير أطفال، الذين يريدون الحريات والتغيير وينتقدون كل شيء ليل نهار دون أن يلتزموا بحقوق الآخرين لن يصلوا للتغيير ولا للحريات ولا لأي شيء، «حقوق الناس ومصالحهم غاية كبرى» والقانون يفصل في كل شيء!