عائشة سلطان
تجربتي طويلة مع العلاج في الخارج، مع الأطباء والمشافي والمصحات والعيادات، مررت بكثير منها ابتداءً بأكبرها في مدينة روشستر بولاية بنسلفانيا في شمال الولايات المتحدة، حيث يتربع أكبر وأشهر مستشفى في العالم هو «مايو كلينك»، كذلك «جون هوبكنز» في ولاية ميريلاند، مروراً بمستشفيات الهند وتايلاند وانتهاءً بمشافي ألمانيا والنمسا، هذا تاريخ طويل رافقت فيه والدتي للعلاج منذ عام 1987 وحتى اليوم، لا أقوله على سبيل التفاخر ولا لكتابة سيرة ذاتية صحية، ولكن لأنني أكاد أجزم بأن الغرب تحديداً لا يتعامل مع الخدمة الصحية بشقها التقني العلاجي المتمثل في إجراء الكشف والفحوص والتحاليل ووصف الأدوية وإجراء العمليات بدقة كبيرة وبتشخيصات عالية المستوى فقط، ولكنه كأي منحى في الحياة دائماً هناك قيم إنسانية لا ينسونها أبداً ولا يفوتهم الإصرار والمحافظة عليها في تعاملهم الراقي مع المريض!
القيم الأخلاقية والتعامل الإنساني في أقصى حالاته وتجلياته نجده دائماً لدى الأطباء الذين يتربعون على قوائم التقديرات والتقييمات العالية: أكبر الجراحين، أفضل الاختصاصيين، أمهر الأطباء، أشهرهم في التخصص الفلاني أو العلاني، بعيداً عن كونهم يعملون في مشافٍ خاصة أو عمومية فالغرب في معظمة خصخص خدماته إلا فيما ندر، لكن الجانب المادي التجاري المنفعي ليس هو ما يحكم سلوكيات الأطباء، حسب ما رأيت، لكنه الإتقان والحرفية ونبل السلوك ووعي العلاقة بين الحق والواجب!
لم أرَ في إحدى عياداتنا أو مستشفياتنا الخاصة أو الحكومية، طبيباً خرج يوماً من غرفته إلى غرفة انتظار المرضى ليصحب مريضة أو مريضاً بلطف وأريحية تريح المريض وتطمئنه وتبني جسور ثقة مبكرة بينه ومريضه حتى قبل أن يكشف عليه.. عادة ما تدخل عليه فيضع كمامة أو يجلس بعيداً لا يتحرك ولا ينهض ليصافح المريض، بل يظل محافظاً على هيئته المحايدة مفتتحاً الحوار مباشرة ودون مقدمات «ها.. حاسس بإيه؟؟» يتلعثم المريض يقول أي كلام، فيطلب الطبيب ساعتها من ممرضته أن تجهز له كذا أو تناوله كذا.. وسريعاً يغسل يديه ويودع المريض «سلامتك»!! كأن وباءً كان يجثم في الغرفة!!
إذا كنت في ممرات المستشفى ومر بك طبيب أو مجموعة أطباء، فلا تتوقع أن تسمع منهم تحية الصباح أو السلام عليكم، هناك في الأقسام الداخلية غالباً ما يأتي الطبيب متأخراً وبعد إلحاح المريض أو أهله ليعرفوا حالة مريضهم... قد يشارف المريض على الموت، بينما الممرضات الفلبينيات والهنديات يملأن الممرات بأصواتهن العالية.. هذا أيضاً من تجاربي الشخصية لم يسره لي أحد لأكتبه؛ لأنه لا يوجد شخص ليست لديه تجربة سيئة في مستشفياتنا للأسف!