عائشة سلطان
غالباً ما يعتقد الشباب أنهم أكثر معرفة بما يجري، وبأن ما يعرفونه لا يمكن للكبار أن يكونوا قد سمعوا به فإذا سمعوا به فإنه لن يوافق ثقافتهم وتوجهاتهم، وبالتالي فإنهم سيرفضونه حتما، هكذا يعتقد الشباب الصغار أو حتى متوسطو الأعمار ممن لم يبلغوا الثلاثين بعد، يظلون يتباهون بتلك الأخبار التي يحصلون عليها عادة من الكتب أو الاختلاط ببعض الأجانب أو قراءة المجلات، وحتماً من خلال أسفارهم ودراساتهم الأكاديمية، وبلا شك فإن مصادر المعلومات والمعرفة المتاحة للشباب أكثر اتساعاً وتنوعاً من تلك المتاحة لكبار السن، كما أن مهارات الحصول على المعلومات أقوى لدى الشباب كمعرفتهم باللغات الأجنبية التي تضع كماً مهولاً من المعلومات بين أيديهم إضافة لبراعتهم في استخدام تقنيات ووسائل التواصل الحديثة!
من قال إن كبار السن لا يمتلكون هم أيضاً أدواتهم ومهاراتهم وإمكاناتهم الخاصة التي قد لا تتوافر لدى الشباب، من قال إنه في مجال التنافسية المعلوماتية والقدرة على الفهم والتحليل وسبر الأغوار لا بد أن يتفوق الشباب الصغار دائماً؟ إن الإصغاء إلى الأحاديث التي تدور بين الكبار تعطي مؤشراً مهماً لتلك الحيوية التي يتمتع بها هؤلاء، وإضافة للحيوية ومواكبة الأحداث أولاً بأول، فإن لدى هؤلاء مخزوناً هائلاً من التجارب والمعرفة والحكايات لا يمكن أن يتوافر للشباب لسبب بسيط جداً مرده خبرة العمر والسنين.
إن التواصل العميق مع الجميع والأسفار ومحكات الحياة تمنح الإنسان قائمة لا متناهية من الخبرات والتجارب، والأهم القدرة على فهم الناس، وسبر أغوارهم، وعدم الاعتداد بظاهر الأفعال والأقوال والوجوه، كما قد يفعل الشباب الذين لا تتوافر لهم هذه المرجعية الحياتية!
يقولون إن الإنسان كلما تقدم به العمر قل اعتداده برأيه لسبب مهم هو أنه يعرف ويرى ويسمع أكثر فيعرف أن ما لديه ليس شرطاً أن يكون هو الوجه الوحيد للحقيقة، بينما يتمتع الشباب بخاصية الاعتداد بالرأي والنفس، وهذا ما يتيح للكبار مساحة أكثر مرونة وتفوقاً لاكتساب المزيد، وهو ما يجب أن ينصت له الشباب، لقد تحدث أولئك الرجال في ذلك المجلس عن أمور وتفاصيل تشعر بأنك تريد أن تستمع إلى المزيد منها حتى وإن كانت تفاصيل حياتية بسيطة، إلا أنها بلا شك ذات مغزى وذات عمق!
يحتاج الشباب أمام تجربة الكبار أن يتنازلوا قليلاً عن اعتدادهم الشديد بأنهم يعرفون كل شيء، وبأن الكبار «راحت عليهم»، وأن زمنهم قد انتهى!