عائشة سلطان
نحن نعيش مسلسلاً كئيباً ومرعباً في الوقت نفسه، نتابعه منذ خمس سنوات يتطور، يتسارع ثم يتباطأ، لا أبطال واضحين ولا نهاية محتملة تلوح في الأفق، لكن المسلسل مستمر، ونحن نعيشه كجمهور عربي يتابع ما يجري في أكثر من مكان، مسلسل طويل جداً لا نسمع فيه إلا أخبار القتل، ولا نرى إلا صور الحرائق والتفجيرات وسحب الدخان التي تملأ سماوات المدن العربية، هذا الجمهور الذي يتابع ما يجري لا يحتاج إلى مزيدٍ من الكآبة والبؤس تضخها في أدمغتنا المسلسلات التي تتبارى القنوات الفضائية في عرضها هذه الأيام إلى درجة أن البعض صار يصرخ: حرام عليكم يكفينا ما نحن فيه!
الغريب أننا أمام أكثر من عمل خليجي نشعر وكأننا قد رأينا هذا المسلسل سابقاً، الحكاية نفسها، الإخوة الذين يسرقون نصيب أخيهم أو الأبناء الذين يرمون أمهم بعد تضحياتها الجسيمة أو حكاية ظلم الحبيب وغدر الزمان وتبدلات الأحوال، هذه هي الحبكة أو العقدة التي تصاحبها موسيقى كئيبة زيادة في مضاعفة إجبار المشاهد على التعاطف مع الضحية والتعلق بالقصة ومتابعتها، المشكلة أن بعض المشاهدين يعيشون الدور فعلاً ويتعاطفون مع البطل أو البطلة غالباً ويقلبون حياتهم إلى نكدٍ حقيقي!!
أعجبني مقدم برامج مصري يقول لمتابعيه في أولى حلقات البرنامج في شهر رمضان: يا جماعة إن إمساكية رمضان التي توزع في أول أيام الشهر مع الصحف أو عبر وسائل أخرى هدفها معرفة مواقيت الصلاة ومواعيد الإمساك والإفطار، وليس العد التنازلي لمعرفة متى سيهل العيد، وان على مدمني مواقع التواصل أن يكفوا عن التعبير المبالغ بالحالة الروحانية التي هم عليها بسبب رمضان، بينما الحقيقة أنهم يقضون النهار بأكمله نياماً ولولا رقم حلقة المسلسل ما كانوا يعرفون أي يوم من رمضان يصومون!!
تنتعش في هذه الأيام على موقع «الانستغرام» و«الفيسبوك» حسابات تعليم الطهي وبيع الأطعمة وتوصيلها للمنازل، ينسى الناس صفحات بيع الملابس والحقائب المقلدة ومواقع الشعراء والعشاق وغيرها، يصير الضغط كله على صفحات وصور ووصفات الطعام، وكأنّ رمضان شهر أكل وطعام خالص (مع أن اسمه رمضان) أو كأن هؤلاء الناس كانوا يعانون مجاعة أو محرومين من الطعام طيلة العام؛ ولأن السوق يضبط بوصلته على مزاج وعقل الزبائن؛ لذلك فبيع الطعام ينتعش فيه بشكل لا يحصل في أي يوم من أيام السنة؛ لأن مزاج الناس وعقولهم تحلق فوق أطباق الطعام وفي داخل المطاعم والمطابخ للأسف، وللأسف أيضاً فإن هذه الظاهرة تزداد تفاقما بدل أن تتراجع قليلاً مفسحة المجال للروحانيات والتأمل والقراءة واللقاءات العائلية الخفيفة ولقاءات الأصحاب الحميمة!
الأكل لم يكن غاية إنسانية في أي لحظة من لحظات تاريخ وتطور الإنسان، لقد ظل على الدوام وسيلة للحياة للبهجة لا أكثر، لكننا للأسف اخترنا الشهر الأكثر قدسية لنزج به في «السوبرماركت» ومحال البقالة والمطاعم والخيم الرمضانية!!