عائشة سلطان
تبدو ذهنية التطرف ملازمة لبعض الثقافات أو لبعض المجتمعات التي لم تتخلص من شوائب الحساسية والانغلاق، إذا أحبت تطرفت وإذا أبغضت فحشت ، لا توسط ولا تعقل ، هذه الذهنية لا تنتج أدباً ولا صحافة ولا سياسة ولا نقداً متزناً ، لا تنتج هذه العقلية سوى البلطجة والإرهاب فكراً وسياسة ، بالأمس كنت أناقش ظاهرة الفقر بين شرائح الأطفال في مصر ، وما ترتبه من عمالة مبكرة بينهم وما تنتجه بالتالي من جهل وأمراض وجرائم ، اعتمدت في مناقشتي على إحصاءات أوردتها جهة رسمية في مصر بالأرقام والمعايير والإحصاءات ، فإذا بالإرهاب يطل من هنا وهناك عبر عقليات تدعي الوطنية وحب مصر والخوف عليها ممن يريد أو يهدف بهذه الإحصاءات تشويهها ، فقلت لأحدهم مصر أو غير مصر لا تشوهها الحقائق والشفافية ولكن تشوهها البلطجة والإرهاب الذي يتخفى تحت أقنعة الوطنية الزائفة !
لدى كثير منا حساسية تجاه النقد وقد يبدو الأمر طبيعياً فكل إنسان تواق للتعزيز والمديح والإيجابية ، وهو حتما يكره النقد وقول الحقيقة ، لذلك فالناقد عليه أن يتحاشى الشخصنة حين يكتب ، سواء تناول منتجاً أدبياً أو رأياً سياسياً أو موقفاً معيناً، علينا أن نسلط الضوء على النص وليس على كاتب النص ليس لأن الكاتب يكره النقد، ولكن لأن المقصود بالنقد هو ما يجب أن نوليه اهتمامنا ، أما الكاتب فأياً كانت أخلاقياته وشخصه فلا يجب أن نخلطها مع كتابته أو مواقفه إذا كانت غير ذات صلة ، لأنه لو تتبعنا عورات وعيوب الكتاب والشعراء والسياسيين والصحفيين لامتنعنا عن قراءة أي شيء ولألقينا بثلاثة أرباعهم في السجون !!
الذين كالوا المديح والإعجاب منذ عشرات السنوات لعمالقة الأدب أمثال تولستوي وديستويفسكي وتشارلز ديكنز وهمنجواي وهوجو وغيرهم لو كانوا يعلمون بما عليه أخلاقهم وطريقة تعاملهم مع الناس ومع أهلهم وزوجاتهم وخدمهم فربما كانوا لم يشتروا نسخة واحدة من كتبهم ، لكن الأولون كانوا أذكياء بما فيه الكفاية فاهتموا بالنص وبالكتب وتركوا أمر الكتاب وأخلاقهم بعيداً ولم يخلطوا بين الاثنين!
مع ذلك فالنقد واجب ومحاكمة النصوص أمر ضروري وهي من باب المهنية أيضاً، حيث يشكل تفكيك الخطاب الأدبي دراسة وعملاً مهماً وخطيراً ، لكن دون شطط ودون خلط وتطرف ، بلا حب زائد يعمي البصر وبلا كره فائق يعمي البصيرة ويفقد النقد معاييره الموضوعة ويخلطه بالحساسية والتحسس وغير ذلك مما لا علاقة له بالذهن النقدي المتزن والعقلاني !