عائشة سلطان
قالت صديقتي وقد اتخذ وجهها ملامح صارمة «علينا أن ننزع القدسية عن كل ما هو آدمي وإنساني لنستطيع أن نراه على حقيقته وضمن سياقه العادي والطبيعي، الصفة الملائكية أو الإلهية التي نضفيها على البشر وعلى المراحل الزمنية وعلى الأمكنة لا تجعل هؤلاء البشر ولا تلك السنين والأمكنة ملائكية أبداً، هذا الإضفاء أو الوسم غير الحقيقي يجعلها زائفة ويجعلنا بشراً بلاستيكيين ومدعاة للسخرية»، كنت أصغي إليها باهتمام واقتناع، فتلك قضية لا يمكن مناقشتها أصلاً، لدرجة بديهيتها، لكننا قوم نحب دوماً أن نجادل البديهيات لكثرة الوقت المتوافر لدينا والذي لا ندري فيمَ نقضيه بخلاف النوم والأكل والفرجة على الحياة وهي تنمو بعيداً!
أيضاً ومنذ أيام عدة، وقع بين يدي مقطع فيديو لشيخ شيعي معمم، كان يناقش ما يعتبر محرمات لدى العقل الشيعي حول الأئمة المعصومين، وحول قدراتهم الخارقة وحول ما يتفوه به بعض الجهلاء حول خوارق بعض الأئمة الذين أوصلوهم لدرجة الألوهية، قال الشيخ في آخر حديثه «إذا كان علي قد فعل كل هذا، واختص بكل هذه الخوارق، فقولوا لي بالله عليكم ماذا أبقيتم لله؟».
سؤال الشيخ الذي يفكر بعقله يختلف حتماً عن أفعال الذين لا يفكرون أصلاً، فما بالك بالذين حرفوا وظيفة العقل من التفكر والتأمل إلى تزييف الوعي والحقائق، والأمر لا يخص الدين والرموز الدينية العظمى لدى الشيعة والسنة معاً فقط، ولكنه يدخل في نظرتنا وتقييمنا لأمور حياتية جداً وعادية ويومية، سواء ما تعلق منها بالماضي أو الحاضر، فليس كل الماضي مقدساً وطاهراً ونبيلاً، وليس صحيحاً أن الناس يمتون بصلة لجنس الملائكة، فالله حين خلق الكائنات جعل حدوداً فاصلة بين الشياطين والملائكة والبشر والحيوانات، وميز بين كل منها والآخر بصفات وخصائص، وجعل العقل ميزة الإنسان الأولى التي بها استحق أن يمتلك أهلية الخيار والقرار، إن خلط الخطوط لا يصنع عالماً مثالياً، ولكنه يصنع عالماً متعدياً ومعتدياً ومفتوحاً على مصراعيه للجهل والتغييب والتخلف والخلافات!
لا شيء يبدو مقدساً غير كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه ولا شيء إلهياً سوى الله، ما عدا ذلك فنحن بشر نخطئ ونصيب ونجرم ونتجاوز ونضعف ونعتدي ونجهل ونضل ونشقى، لسنا مثاليين ولا مدنسين، ولكننا نحاول اجتياز العتبات المدنسة لعالم أفضل بالقدر الذي نعلي فيه قيمة عقولنا وتفكيرنا.
الماضي ليس نقياً خالصاً، وهناك في تلافيف التاريخ الكثير والكثير مما يحتاج إلى غربلة ومراجعة وإعادة نظر جذرية!