عائشة سلطان
كان مشهدا سينمائيا لا يمكن نسيانه: شاب وسيم يتناول طعام العشاء مع خطيبته، كانا قد قررا انهما في هذا اللقاء سينهيان آخر ترتيبات حفل زواجهما، فجأة سألت الفتاة: كيف قررت أنني أنا تحديدا الفتاة المناسبة لك كزوجة، كيف قررت أنني انا التي تريد ان تمضي بقية حياتك معها؟ وهو يمضغ لقمته الأخيرة ربما رفع الشاب رأسه وقال: «لأنني اشعر بالسعادة حين تكونين معي»، «ردت عليه بشكل سريع: عن نفسي تناول الآيس كريم يجعلني أكثر سعادة»!! وطبعا لم تكتمل ترتيبات الحفل لاحقا! السعادة تحديدا، احد اكثر المفاهيم نسبية عندما نقوم بتقييمها.
فتعريف (أ) للسعادة يختلف حتما عن تعريف (ب) وما يسعدني قد لا يشكل سعادة لك، ومعايير السعادة لجماعة او لمجتمع لا تعتبر معايير سعادة لجماعة اخرى، السعادة مفهوم فلسفي، قيمي واخلاقي نسبي بشكل كبير، لذلك فوجود الفتاة كان يسعد ذلك الشاب بينما تناول الآيس كريم يسعدها اكثر من وجوده قربها، وهنا لعب تقييم الشابين لمعيار السعادة دورا في تحديد أولويات حياتية كبرى نتج عنها انفصالهما، ذلك أن فهمنا للحياة يمر عبر تعريفنا ونظرتنا لبعض القيم والمفاهيم كالسعادة والحب والقناعة والشفافية وغيرها! في المؤسسات التي تتبع أساليب تقييم متقدمة تلجأ الى تقصي درجة رضا موظفيها وعملائها. المؤسسة بيئة موضوعية او يفترض ان تكون كذلك طالما ان تقييم الأداء والعلاقات والحقوق والواجبات مرتبط بقوانين محددة وبمعايير ثابتة، هذه البيئة الموضوعية تستخدم مفهوم الرضا، لأن الرضا يمكن التثبت منه وقياسه وفق معايير محددة اذا توافرت في الخدمة المقدمة تحقق رضا الجمهور واذا توافرت في القوانين وآليات الترقي والتقدير تحقق رضا الموظفين، الرضا مفهوم معياري وليس فلسفيا ولذلك فهو غير جدلي بعكس السعادة! في الدول أيضا هناك من يعتقد بوجود جغرافيا للسعادة، بمعنى ان هناك دولا تنتج مواطنين سعداء ودولا لا تفعل، وقد اعتبرت الديمقراطية احد معايير السعادة، مع ذلك فهناك من يرد على هذه الفرضية بالقول ان الشعب الألماني مثلا هو اقل الشعوب مرحا وابتساما على الرغم من كونهم أكثر الشعوب تطورا وديمقراطية !! لذلك تقول الأخبار ان علماء النفس في جامعة ليكيستر البريطانية اعتمدوا على بيانات يوفرها «علم السعادة « الجديد لوضع خريطة ملونة ترسم مناطق السعادة في العالم. النتيجة كما قال هؤلاء العلماء إن السعادة ليست مرتبطة بمنطقة بعينها، أو «طاقة» غامضة توجد في مكان وتنعدم في آخر، بل ترجع أساساً إلى الثقافة الوطنية، حيث توجد ثقافات أفضل من غيرها في إنتاج مواطنين سعداء تتوافر لهم بيئة خدمات جيدة ودرجة أمان عالية وعلاقات اجتماعية متزنة.