عائشة سلطان
كعرب نحن مصابون أزلياً بمرض عدم الاعتراف بالحقيقة ومجاملة الواقع، ومصابون بالخوف من التغيير، ومصابون بالإغراق في فكرة المؤامرة وإلقاء حمولة مصائبنا وكوارثنا على الآخرين، كأفراد إذا كنا نعاني أي مشكلة أو مرض أو عُقد فلأن الآخرين هم السبب، التربية، الوالدان، الأصدقاء .
، وكدول إذا تعرضنا لأخطار، مشاكل، تهديدات فلأن الجيران يخططون للقضاء علينا، ولأن الدول الكبرى تريد محونا من الوجود، ولأن أجهزة الاستخبارات العالمية تعمل ليل، نهار للاستيلاء على ثرواتنا وتدمير أخلاق شبابنا ونسائنا، وهكذا، أما العرب فمن جنس الملائكة، لا يمتلكون أي جراثيم ولا جينات في مورثاتهم الحضارية والتاريخية والواقعية تجعلهم مملوئين بالعقد والأفكار المتناقضة والتوجهات المولدة للتطرف والإرهاب!
من خلال رصد الواقع العربي وقراءة المكونات التاريخية لهذه الشعوب، وتتبع الحالة المعيشية والسياسية والاقتصادية، يتضح أن الإرهاب نتيجة حتمية لهذا الواقع، فمن يعيش مقموعاً سينشأ ويكبر بفكر وتوجهات متحيزة ومتطرفة وراغبة في الانتقام أو على الأقل في إقصاء الآخرين ونفيهم وعدم التساهل أو التسامح معهم، تلك تربية، والتربية غرس للقيم في أعماق العقل والذهن على مدى سنوات وفترات طويلة، بحيث يصعب زعزعتها لاحقاً.
إن فكرة الآخر الخاطئ، والآخر الضال والشيطان والكافر، في مقابل أننا نحن الأسوياء والمهتدين والناجين ومالكي الحق والحقيقة والجنة، فكرة بحد ذاتها يمكن أن تقيم سلسلة من دويلات إرهابية على طريقة القاعدة و«داعش» وغير داعش، وأن الذين يعتقدون أن القضاء على «داعش» نهاية لعصور التطرف مخطؤون جداً، ففي الطريق دواعش آخرون طالما بقي خزان التطرف مفتوحاً ومملوءاً على الدوام.
نحتاج لاستعادة روح الدين، نقاوته، أصله، جذره الحقيقي، ديننا وكل الأديان الأخرى هي رسالة إسلام وسلام، إسلام لملكوت الله وحقه في تصنيف البشر ومعاقبة الخلق، وسلام يعم الكون ليتمكن الناس من أداء الوظيفة التي خلقهم الله لأجلها، خلافته، وإعمار الأرض، بناؤها، وتحضرها، في النهاية، فإن وظيفة الإنسان هي أن يمسك بكل الموارد التي منحه الله إياها ليوجهها في صناعة الحدث الأهم والأعظم: الحضارة ومنفعة الإنسانية، وليس إشاعة الخلافات والاختلافات وتوزيع صكوك الغفران والحكم على الناس بالقتل غيابياً فقط لأنهم مختلفون عنا بفكرهم أو دينهم أو ثيابهم.
ما تفعله «داعش» وما شاكلها أنها تؤسس لعهود ظلام لا مثيل لها، وهي ليست الأولى في تاريخ البشرية في قتل الناس وقطع الرؤوس، فالتاريخ يحكي ويقدم صورا ًوإثباتات أن الفرنسيين فعلوا ذلك، والإنجليز والأميركان والألمان وغيرهم، ارتكبوا الفظائع ونصبوا محاكم التفتيش وأعدموا ملايين الأبرياء، لكنهم مسحوا تاريخهم وكتبوا تاريخا ًآخر، واليوم يسهمون في نقل الكرة الملوثة لأيدي آخرين ليغسلوا أيديهم لكن الأيدي كلها ملوثة، ووحدها يد الشعوب من تملك القرار في أن تأخذ على يد من يصنع الإرهاب ويموله ويغذي جذوته وجذوره .