عائشة سلطان
تحدثت مع ناقد عربي حول كتاب الرواية في العالم العربي، فعدد لي بعض الأسماء التي يمكن اعتبارها قامات كبيرة في هذا المجال فهم يكتبون منذ سنوات ومتمكنون من أدواتهم وقد حصدوا خلال حياتهم الإبداعية العديد من الجوائز، مع ذلك فإن من هؤلاء لم تكن أعمالهم ضمن البوكر، ربما لم يتقدموا للجائزة، وربما رأت لجنة التحكيم أن أعمالهم -في حال تقدموا للجائزة -التي تقدموا بها لا ترقى للقائمة القصيرة !
فمن يحدد معايير الجودة والتفوق في العمل الروائي ؟ إذا كانت لجنة التحكيم هي المخولة بهذا فهل معناه أن المعايير تختلف نسبياً من لجنة لأخرى بحسب أفكار وتوجهات ونظريات المحكمين الفضلاء ؟ هل هذا يعني أن رواية فرانكشتاين في بغداد لـ«أحمد سعداوي» مثلا، والتي فازت بالبوكر العربية عام 2014 ما كانت لتفوز بها لو أن أعضاء اللجنة كانوا غير الذين حكموا في ذلك العام ؟
الأهم من هذه الأسئلة هو ما يطرحه البعض حول أحقية أي كاتب في أن يكون روائياً إذا تمكن من أن يسطر كلاماً ويروي أحداثاً يخترع لها شخوص وأمكنة ثم يسميها رواية، وهنا فنحن لا نقول باستحالة أن تظهر أسماء أكثر نبوغاً في مجال السرد وكتابة الرواية، فقبل ماركيز ومحفوظ ويوسا وامبرتو ايكو وهيرمان هسه وايزابيل الليندي وغيرهم كان هناك من تربع على عرش الرواية واعتقد الناس أنه لن يأتي أفضل منهم، الحياة ولادة ومليئة بالمفاجآت السارة والمدهشة، لكن هناك في اللغة فارق شاسع بين الرواية والحكي الفارغ وبين العبقرية والادعاء !
نحن نريد أن يخرج لنا روائي عبقري كل يوم، لكن الروائيين لا يأتون من النافذة ولا يخرجون من تحت الحجارة التي على الطريق وهم لا يتكونون بالأمنيات ولا بالإكراه، هناك مدارس وورش ومختبرات تعلم وتدرس أصول الكتابة الإبداعية، تصقل الموهبة وتوجه المبدع حديث النشأة، لكن هذه المدارس والحصص والورش لا يمكنها أن تقدم للعالم ماركيز آخر أو ساراماجو أو أمين معلوف، كل كاتب تجربة جديدة وحالة مختلفة يؤسسها بصبره ومثابرته وأولاً وقبل كل شيء بتلك الجمرة المشتعلة في عمق عقله وقلبه وعلى أطراف أصابعه، تلك التي تمنحه الفرصة ليصنع خبرة إضافية وتجربة مغايرة وحقيقية غير متكلفة وغير طارئة !
صحيح أن كل التجارب الجديدة تحارب في البداية ويتم تجاهلها في غمرة تقديس الأسماء الكبيرة واللامعة التي سبقت، لكن الشمس لا يمكن تغطيتها بأصابعنا أو تجاهلها، هل كان يمكن ألا يبزغ نجم نيرودا وألا يمنح نوبل مثلاً ؟