عائشة سلطان
كنت قد انتهيت من معرض أبوظبي الدولي للكتاب منتصف الأسبوع الماضي، وقد هالني مقدار الجهد الذي بذله الإخوة في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة فيما يخص تنظيم المعرض (رغم بعض الهنات هنا وهناك) وما صاحبه من فعاليات لا تقل أهمية وضخامة، كحفل الإعلان عن الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) وحفل توزيع جائزة الشيخ زايد للكتاب وشخصية العام التي اختارت صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتمنحه جائزتها، هذا الاختيار الذي صادف من يستحقه فعلا بعد هذا التراكم الضخم والفاعل الذي صنعته مسيرة الشيخ محمد الإنسان والحاكم والكاتب والشاعر، بكل ما رفد به المكتبة والقارئ العربي من كتب قيمة في مجال السياسة والحكم والقيادة والتفكير الإيجابي وبكل ما قدمه عمليا في مجال التطوير والتغيير والتنمية الإنسانية والاقتصادية التي أصبحت نموذجا باهرا أمام العالم. أن تكون هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة هي الراعي الرسمي للجائزة العالمية للرواية العربية وأن يتم الإعلان عن الفائز بالجائزة في العاصمة أبوظبي فذلك إنجاز فكري وثقافي كبير جدا، يمنح الهيئة فرصة أكبر مستقبلا لتطوير مجريات الجائزة دون أن يعني ذلك التدخل فيها تقنيا كي لا تفقد استقلاليتها فبعض الوهن قد دب في أوصال الجائزة لسبب أو لآخر كما لاحظ الكثيرون، مع ذلك فالبوكر قد أعاد الاهتمام الجماهيري بالرواية والروائيين كما أعاد للرواية مجدها الحقيقي!
لقد ترافق انتهاء المعرض مع الإعلان عن منتدى الإعلام العربي وحفل توزيع جوائز الصحافة العربية في دبي التي كان لي شرف تسليم إحدى جوائزها كما كان مقررا لولا ظرف صحي حال بيني وبين ذلك، أن الأمر الأكثر أهمية هو استقبال الإمارات لهذا العدد الهائل من الأسماء الثقافية اللامعة من أهل الفكر والرأي والصحافة والكتابة والفن ممن التقيتهم في معرض أبوظبي، حيث التقيت بالكاتب جهاد الخازن والمترجم الرائع صالح علماني وبعض روائيي البوكر وكثير من أقطاب عالم النشر والكتابة، ذلك يعني أن الإمارات باتت تشكل اليوم قطبا ثقافيا بارزا في المعادلة الإقليمية الثقافية وقريبا جدا ستحتل مكان الصدارة في مجال النشر والتوزيع كما احتلته في مجال الإعلام.
إن البنية التحتية التي توفر مستويات متقدمة من الخدمات والتسهيلات وشبكات الاتصال والتواصل المتطورة جدا تسهم في تغير المعادلة لصالح الإمارات، ما ينعكس بالتالي على معادلة المراكز والأطراف والتي تتغير كما هو واضح وسيكون للإمارات مكانة مركزية متقدمة فيها، يبقى أن تهتم المؤسسة الثقافية الرسمية عندنا ببقية المشهد، وخاصة فيما يتعلق بتحديث قوانين النشر والمطبوعات وتعميق التوجهات الثقافية المعتدلة والمنفتحة في المدارس والأنشطة الاجتماعية المختلفة (مكتبات الأحياء ومهرجانات القراءة ومسابقات الإبداع والتأليف والابتكار مثلا) لتتسق مع هذه التحولات الجذرية ولتستفيد منها كما ينبغي!