عائشة سلطان
هل يمكن أن يكون بلد ما بلداً للجميع، هذه العبارة التي جاءت بسهولة على لسان إحدى مقدمات البرامج ممن يتحدثن أكثر من لهجة في الوقت استوقفتني كثيراً حين قالت «علينا أن نتحدث باعتبار الإمارات بلاد الجميع ولا تخص ثقافة بعينها»، أشعرتني أنها تتحدث عن بلاد عثر عليها بالصدفة وصار من حق الجميع أن يدعو ملكيتها، كيف سمح لهذه السيدة أن تدعي أن الإمارات بلد لا تخص ثقافة بعينها، فأين ذهب أهلها وأين ذهبت ثقافتها وتراثها وتاريخها الذي ينفق عليه الملايين ليكون في الواجهة وفي الصدارة ؟ إنها مقولة تسحب من رصيد حقوق الانتماء لا أكثر !
«الإمارات بلاد الجميع ولا تخص ثقافة معينة» لو أن هذه العبارة قد قيلت على التلفزيون الفرنسي أو الألماني مثلاً لتعرض قائلها للمحاكمة، الفرنسيون تحديدا أكثر شعوب أوروبا حساسية فيما يتعلق بفرنسا وبلغة موليير، عقد برلمانهم جلسة طارئة منذ عدة سنوات لمناقشة قضية خطيرة حول ظاهرة استخدام المضيفات على الخطوط الجوية الفرنسية كلمات إنجليزية ضمن اللغة الفرنسية ! نحن هنا لا ننطلق من عنصرية ولكن من منطلق الرفض المطلق لهذا التفريغ وسذاجة التعاطي مع قضايا في غاية الخطورة !
لا يوجد بلد في العالم ملكاً للجميع، لكن يوجد بلدان تستقطب أمم الأرض لأسباب موضوعية لها علاقة بتوافر فرص العمل والهجرة والسياحة والتعليم والطبابة والاستثمار وغير ذلك، كل بلاد الأرض تخص شعبا بذاته، بلغته وثقافته وهويته وتاريخه، السويد للسويديين، سويسرا للسويسريين، إنجلترا للإنجليز الكويت للكويتيين والإمارات للإماراتيين وهكذا، لا يعني ذلك أن لا أحد يأتي ويروح ويهاجر ويعمل ويستثمر في هذه الدول، أو أننا نقول ببناء أسوار ضخمة تعزلنا عن شعوب الأرض، فلدينا في الإمارات مثلاً عشرات الجنسيات والجاليات، كل يحتفظ بهويته ضمن حدود القانون ودون أن يمس هوية ومصالح الدولة، ودون أن يدعي أحد أن «الإمارات بلد الجميع ولا تخص ثقافة بعينها».
حتى لو كان المقصود أن الإمارات بلد التعايش السلمي بين عشرات الثقافات، وأن الجميع يشعر بالأمان والاستقرار فيها وكأنه في بلده ، إلا أن ذلك لا يلغي ثقافة وخصوصية الإمارات، ولا يجب أن يأتي من يقول إن الإمارات لا تخص ثقافة بعينها، إذا كان الأمر كذلك فلم أقر عام الهوية واستراتيجيات الحفاظ على الهوية وكل هذه المهرجانات والفعاليات التي تعلي وتكرس وتقوي الهوية والانتماء للإمارات طالما أن الإمارات لا تخص ثقافة معينة ؟