عائشة سلطان
لقد آمن الغرب بشرعة حقوق الإنسان وجعلها عاملاً حاسماً في الدلالة على تحضر المجتمعات والدول، وأصبحت منظمات مثل (هيومان رايتس ووتش) وتقاريرها، عصا يلوح بها الغرب في وجه الدول، كما أصبحت ملجأ للمخربين والناقمين والوشاة، لقد استغل الغرب تقاريرها ضدنا للضغط والمزايدة، لكن هذا الغرب نفسه لم يطبق المبادئ الإنسانية بحذافيرها على جميع المهاجرين إليه، كما تفترض مبادئ حقوق الإنسان، فتربت أجيال على أرض أوروبا تعاني التهميش والعنصرية ومضايقات الشرطة والمتاجرة حتى بأعضائهم مقابل جواز السفر الأوروبي أو الإقامة، وها هم بعض أبناء المهاجرين يستجيبون لدعوات داعش ويردون على تاريخ التهميش ذاك، ولكن بشكل دموي وغير متوقع! تؤكد نجاة بلقاسم المغربية القادمة من الثقافة الأمازيغية والتي تشغل منصب وزيرة التربية والتعليم في حكومة أولاند، أن الطلاب من أصول مسلمة يرفضون الوقوف حداداً على أرواح ضحايا باريس، كما رفضوا سابقاً الوقوف صمتاً على أرواح قتلى حادث (شارل أبيدو)، ما يعني موقفاً صريحاً وعملياً على أنهم لا يعتبرون أنفسهم فرنسيين حقيقيين أو يمتون لهؤلاء الضحايا، قالت الوزيرة أيضاً إنهم يبحثون عن هويتهم ويجعلون الدين في صدارة ما يميز هذه الهوية! فكيف وماذا يقرأ الغرب من كل ذلك على خلفية حقوق الإنسان، هل تقبل فرنسا بهذا الوضع أم ستتعامل معهم بشكل يخل بالحرية والعدل والمساواة وحقوق الإنسان؟
كيف قرأت المستشارة أنجيلا ميركل أحداث باريس وتهديدات بلجيكا في ظل تداعيات مشاكل اللاجئين واستحقاقاتهم في ألمانيا، وتنامي اتجاهات العنصرية وجماعات النازيين الجدد هناك؟ كيف تقرأ حكومات بريطانيا وإسبانيا الأحداث نفسها في ظل حكومات محافظة ويمينية متطرفة ستصعد للسلطة في ظل تنامي العداء للإسلام؟ إن الأمور تتأزم على الساحة الأوروبية، والعالم يتجه للتطرف والخوف والحذر، ويتمترس خلف المبادئ القومية والشوفينية بشكل واضح لحماية نفسه!
هناك تدخلات سافرة تمارسها أوروبا في بلدان الشرق، من حيث دعم الديكتاتوريات وضخ الأسلحة والدعم للجماعات الإرهابية، وقد خلق ذلك توترات مخيفة، وانعكس تالياً على درجة الأمن والتنمية والسلام في الشرق الأوسط، ما قاد الآلاف للهجرة للغرب بحثاً عما يفتقدونه في بلدانهم، وهنا فليس «داعش» من نقل المعركة لأوروبا، ولكنها أوروبا التي استدعت الإرهاب إلى بلدانها بسياساتها، وعليه فإن أوروبا مطالبة بتصحيح مسار تلك السياسات أو التخفيف من حدة تفاقمها على الأقل، خاصة فيما يتعلق بدعم الإرهابيين والمعارضين وإيوائهم على أراضيها ومدهم بالسلاح والمال، ما جعل الشرق واحداً من أضخم مخازن السلاح على الإطلاق!
هذه الاستراتيجية لا علاقة لها بحقوق الإنسان، لكنها واحدة من أدوات لعبة الأمم، وهي لعبة قديمة تجيدها أوروبا جيداً، لكن للأسف بدأت تنقلب ضدها حين كثرت الخيوط واللاعبون على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط!