أوطان ملتبسة

أوطان ملتبسة

أوطان ملتبسة

 صوت الإمارات -

أوطان ملتبسة

عائشة سلطان

هناك واقع حياتي، معيشي، إنساني مختلف كل الاختلاف ما بين أقطار الوطن العربي، هذا أمر لا يمكن نفيه أو الادعاء بعدم وجوده، هناك مواطنون عرب يهربون من لعنة الحياة والعيش والبقاء في أوطانهم ليس كرهاً في انتماءاتهم أو رائحة أرضهم ولكن لأنهم فقدوا أو كادوا يفقدون شروطهم الإنسانية وشروط بقائهم على قيد الكرامة في بلدانهم، هناك مواطنون يفضلون الموت في عرض البحر متوجهين لأوروبا على البقاء أحياء في بلدانهم، وهناك بلدان منحت مواطنيها ما هو أكثر من الأمن والغذاء والسكن وتحقيق الذات فصار الوطن حالة رومانسية حقيقية، في الوطن العربي هناك أوطان وليس وطنا، وهناك أحلام مختلفة وآمال متباينة، هناك من يتوحم على الأمن وهناك من يحلم برغيف الخبز وهناك من يتكفن كل يوم وهو خارج لعمله صباحا، هناك من يعتقد أنه يعيش عيشة الكلاب، وهناك من يفخر بأنه أمير غير متوج سوى بالأمان والرفاهية، هناك أوضاع وأحوال لا تتشابه أبداً بين وحدات ما كان يسمى الوطن العربي الواحد !

حين كتبت عن تجربتي ببساطة متناهية في رحلة الاغتراب والعودة، كنت أريد أن أوصل هذه الحقيقة بكل أمانة (نحن نذهب بعيداً أحياناً فنشعر أننا أكثر قربا لما ابتعدنا عنه، سواء كان الوطن أو العائلة أو الأصحاب) والسبب له علاقة بهذا الحبل السري الممتد والباقي بيننا وبين الوطن والعائلة والأصحاب، السبب أيضاً أن هذا الوطن وهذه العائلة وهؤلاء الأحباب لن يتحولوا مسخاً أبداً ولم يتشظوا تحت أي ظرف، لم تنقطع الصلة بهم ولم تتشوه يوماً، لذلك ظل التفكير فيهم يرتبط بالملاذ والعودة لهم تمور بالدفء الحقيقي، لا تفكير في الهروب أو الفرار، لا سبب يدفعك لذلك أبداً كما في بلدان أخرى .

.

الموضوع بالنسبة لكثيرين ممن تركوا أوطانهم هجرة وفراراً موضوع معقد، والحديث عنه بحنين وحميمية يبدو رومانسية غير مقبولة ! موضوع الانتقال الى بلد آخر يعتمد بالدرجة الأولى على نظام البلد الذي كانوا يعيشون فيه بمنتهى الضنك، حيث لا وجود للكرامة أو الإنسانية، وحيث لا تتحقق شروط العيش الآدمي وليس الإنساني، إلا بتوفير نفق هروب بأية وسيلة، هذه قضية تضع الوطن والمواطنة والمشاعر الوطنية على المحك، لكن ما يجب أن نعترف فيه وبوعي ودقة وبلا حساسية مفرطة هي أن الأوطان جاءت بعد الإنسان، وأنها وجدت ليعيش فيها لا ليموت قهراً، ولتعطيه قبل أن يحميها، وتدافع عنه قبل أن يفتديها، وليمشي على ترابها مطمئناً مبتهجاً بدل أن تسير الدبابات والمجنزرات على جثته وقبور أهله وأبنائه !

نحن نعتاد على العيش في أوطان مضيئة، نظيفة، رحيمة، ولذلك لا يمكن أن تصير فكرة الوطن ممسوخة يوماً أو قابلة للنقاش والجدل، في بلدان أخرى لا يتحدثون عن نوافذ مضيئة وشوارع نظيفة ورجال شرطة طيبين ومتعاونين ويقدمون الورود للمارة في عيد الوطن، تبدو هذه الأفكار مثالية ومثيرة للضحك الهستيري لديهم، في بعض الأقطار يبحثون عن شوارع لا يسمع فيها دوي الانفجارات كل يوم، لا تبتل بدماء المارة كل لحظة، لا يصير الموت شبحاً خفيفاً يتسلل على أطراف أصابعه دون أن يشعر به أحد وكأنه من سكان الشارع، في تلك الأوطان يتحدثون عن مطالب أخرى، لا يكون فيها الموت اعتياداً ممسوخاً، لا تتحول البيوت إلى أكوام ثلج بلا شباب لأنهم تمزقوا في التفجير الأخير وبلا أطفال لأن مدرستهم صارت أكواماً بعد أن سقطت عليها براميل النظام المتفجرة !!

نحن في ضفة أخرى من هذا الوطن الملغوم والمحاط بأحزمة العنف والذبح اليومي، فأين المفر مما نرى ونشاهد ونتابع ونصادق !!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوطان ملتبسة أوطان ملتبسة



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates