عائشة سلطان
في أحيان كثيرة علينا أن ننظر للأعمال الدرامية التي تعالج قضايا معقدة وشائكة باعتبارها إعجازاً فنياً أو لنقل إنجازاً حقيقياً على أقل تقدير، نتحدث عن الأعمال التي تنفذ باحترافية على أيدي مخرجين، عملهم الإخراج وليس تصليح مكيفات الهواء، وبواسطة ممثلين كبار حقيقيين يمثلون كأنهم يعيشون حيواتهم الاعتيادية بتلك البساطة اللامتناهية في الحديث مع بعضهم، وفي الصراخ والبكاء والضحك وتدخين السجائر، والإحساس بالحب وبالفقد والموت والتشرد، ونعلم أن ليس كل ما يعرض على الشاشات فناً أو أعمالاً درامية تعبر عن وجهات إنسانية أو تعالج هموماً، قليلها كذلك، وهي التي تبقى علامات ثابتة في مسيرة الفن والتلفزيون، وكثيرها يمكن أن نطلق عليه وصف العامية المصرية «أي كلام»، بمعنى أن أي وصف يمكن أن ينطبق عليه باستثناء أنه فن وأنه رسالة اجتماعية.
«بانتظار الياسمين» و«وغداً نلتقي» من الأعمال التي قدمت رؤى إخراجية عميقة وجادة للقضية السورية، كل منهما تناولها من زاويته الخاصة، لكن الرصاصة وصلت لقلب المشاهد، رصاصة من ذلك الزخ الهائل من الرصاص والأسلحة والموت الذي يغتال كل لحظة بلداً رائعاً بحجم سوريا أو الشام كما يسميها أهلها، وليس الجديد هو ما يبحث عنه المشاهد، بمعنى أنه أمام هذه الأعمال نحن لا نسأل أو يجب ألا نسأل عن الجديد الذي قدمه العمل من حيث المعلومات والحقائق التي نتابعها جميعنا ليل، نهار عبر وسائل الإعلام، ذلك أن الفن ليس شريطاً إخبارياً أو معلومات إحصائية أو برنامجاً سياسياً حوارياً، إنه رؤية أو لنقل زاوية معينة مختلفة يطل من خلالها المخرج وكاتب النص وواضع السيناريو والحوار على حدث ضخم كالحدث السوري مثلاً، لينقل لنا مشهداً صغيراً على الخريطة، مكبراً بما يكفي لنرى حتى شواهد القبور ودموع النساء وأصوات الأنين من خلال ثقافته وفكره وقناعاته الخاصة!
الفن ليس عبوراً سطحياً على الأحداث وليس حديثاً تافهاً في اللاشيء لأجل لاشيء، وليس حشداً لأجمل النساء والرجال ضمن كادرات مبهرجة ومرتبة ولامعة، الهدف منها الدعاية للمقهى وللمطعم وليس خدمة المشهد أو النص، الفن ليس في تلك المبالغة الطفولية من قبل الممثلين في المكياج، وارتداء الثياب من أغلى وأشهر الأسماء التجارية، وهو ليس تأجير مخرج عربي ليخرج عملاً خليجياً ثلاثة أرباع الممثلين فيه ينتمون لعشر جنسيات عربية ينطقون اللهجة الإماراتية مثلاً بشكل يثير السخرية ويطلق النكات، وحتى لو كانت حجة المخرج في عدم وجود وجوه نسائية أو رجالية محترفة (وليته أتى بمحترفين)، فالأولى أن يظل مخرجاً ويكتفي بالموجود على أن يتحول مهرجاً ويشوه الواقع!
إن الإعلام ونشرات الأخبار لا يمكنها أن تنقل لنا هذا الذي رأيناه بهذه الحميمية، ولهذا فنحن كأبطال مسلسل «بانتظار الياسمين» ننتظر الياسمين الدمشقي الذي لطالما تغنى به نزار قباني!