ناصر الظاهري
هي أشياء يأتي بها المطر، أو تسير هي في طريقه لتسرد عنه حكاياته مع الأشياء الصغيرة، هي أشياء تكون قابعة في محلها، تأتي الريح الباردة، وتأتي الغمامة بمطرها، فتحدث كل تلك الأمور، فجأة تتحول الأشياء إلى مفردات مبتلّة بالرذاذ، وتغني شيئاً من نشيد المطر:
- ورقة نايلون يثقلها القطر، ونَفّ المطر، فتعجز عن الطيران، تصبح أجنحتها مكبلة بالماء، فترضى بالابتلال، وآخر مدى وصلته مع الريح قبل المطر.
- باب خشبي، كان كجذع نخل خاوية، فجأة جاء المطر، وأحيا فيه بعض العافية، تحول حينها من باب معزول لمخزن مهجور، إلى باب من أبواب المعابد، بفضل لون الارتواء.
- قطعة معدنية كانت تدفن رأسها في التراب، جاء المطر، وأحدث الثرى، فأطلت برأسها لأول مرة منذ زمن لا تذكره، لتشاهد الدنيا، وهي ترقص وتغني مع زخات المطر.
- الخبّاز الإيراني العجوز، يترك مشهد النار، ويخرج عن صمت المنفى والاغتراب، ليعلن عن ضحكة لم أرها على محياه إلا قليلاً، يقف على باب مخبزه بجسد فارع، وبقلب عصفور، يريد أن يزاغي قطرات المطر التي جلبت له ربما هديل حفيداته، وبناته البعيدات على ضفة ذلك البر الذي لا يقدر أن ينساه.
- ورد أبيض، وآخر جوري أحمر، كان، وكاد أن يخرج عن وقار حديقة المنزل، يريد أن يلامس كف صبية أو خد فتاة ريّانة العود، المهم أن لا يمكث في مكانه، ساعة انهمار المطر، كان يريد أن يغني للحب وللمطر، ولمن يستحق.
- فردة نعال مقلوبة، أسفل عتبة المسجد، وكان المطر وابلاً عليها، كانت فقط تتمنى لو أنها كانت تشاهد تلك القطرات المرسلة أو أن أحداً حاول أن يعدلها ساعة ضخيخ المطر.
- سيارة إنسان طيب، مخلصة لفقره، ووفي هو لزمنها، نزل المطر عليها، وتمطت مشّاشات الزجاج، محدثة ذلك الصريخ الهرم، فرحة بالمطر، وأنها تحركت بثقل سلحفائي في مكانها، لتفعل شيئاً، ولو صغيراً في الحياة.
- أطفال تضيق بهم شقق العمارات، ويلاقون المطر على الأرصفة، يعرفون أن المطر وحده لا يصعد الأدوار العليا، وأن الأقدام متى ابتلت رقصت.
- شجرة وحيدة تَنّعَش جذلة، كدرويش من الصالحين، يباهي بالتبرك، وذكر عطر العابدين، هي والمطر وحيدة، ولا ترغب إلا في ذاك الصبيب لتتبع حسه، كمريد يتبع ظل عصا شيخه، وقطبه المحروس بسورة يس.
- صبي لا يحب أن يكبر، يخرج ساعة المطر، ويريد أن يكبر، ولا يكبر.