ناصر الظاهري
من يرى الناس واحتفاءهم بمولد العام الجديد، ينتظر أغلبهم بزوغ فجره، وهم في صقيع الشوارع الباردة أو محتفلين في منازلهم وحدائقهم، إنما هم ينتظرون الحظ الجديد، والسعادة الجديدة، وكل ما يمكنه أن يجعلهم أفضل حالاً، واستقراراً، وأكثر صحة، لم كل تلك الأشياء تأتي مع كل عام جديد، وسنة تدخل بأيامها في حياة الناس؟ إنه الأمل والتمني، وما يمكن للوعد أن ينجز من مواعيد بالخير، والمفاجآت السارة، هؤلاء هم متتبعو الفرح في مكان، ويسعون له، طاردين الفزع، وما يخلفه في النفس، مستبعدين الحزن، بمثل هؤلاء تكبر الحياة، وتخلق الأشياء الجميلة فيها.
بالمقابل هناك أناس مهنتهم صناعة الحزن، ومطاردة الأشياء العفوية التي يصنعها الناس البسطاء، ويمارسونها كعادة من أجل إضفاء اللون على أيامهم، هؤلاء يقفون خلف فزعهم الأكبر، يلوحون بولادة الأحزان والسواد في أيامهم، هم مثابرون على ملاحقة أفراح الناس، ووسمها بالأسى، لا يعترفون بمحطات في الزمن والوقت، عليهم فيها أن يتوقفوا عن ممارسة أفعال الشر، وجلب الفزع، وتعكير صفو الحياة، هم عيشتهم واعتياشهم على الرماد، ومنظر الخرائب، وتلك الدموع التي تسلب روح الإنسان.
لمن ننتصر، وتنتصر الحياة، لأولئك الذين يتتبعون الفرح من بين هبوب الذاريات، يتلمسونه في قطرة الندى، وبَلّ الصدى، في سحابة عابرة، في مطر يباغت الليل، في شوارع تتلألأ بضجيج الأقدام، وضحكات القلب، في فطور جماعي، في أماكن دافئة تبعدهم عن القتل والقاتل والمقتول، ولعنة قابيل، بحثاً عن فردوسهم المفقود، عن الفرح والسعادة الغائبة، تلك التي تعادل عُشبة الحياة وأكسيرها للخلود؟ أم ننتصر، وتنتصر الحياة لأولئك الباعثين للشرر من خلل الرماد، الباحثين عن وأد الحياة، ونورها ومعرفتها، عنوانهم الظلام والجهل، وما يرمي الحياة بشرر، مجدهم الجثث، وصرخات النفس، وكيف يمكن أن يُهان الإنسان الذي كرّمه الله؟ كيف يقتل على باب كنيسته، متعلقاً بآلام صلبه، وصليبه؟ أو يفجّر وهو راكعاً خاشعاً للواحد القيوم، كل الأرض له طهوراً، وقبلته حيثما يولي وجهه؟ أو ينحر أناس طهورهم الماء، وقبلتهم النجوم، يعبدونه كيفما خلقهم أول مرة، ينشدون طُهر النفس، ولا يحملون شراً، ولا أذى، ولا يقاربون النُكرا، أولئك الأطاهر الذين يحملون الكتاب والحرف والنور، وحب ممارسة الحياة على طبيعتها، يقتلون بأيدي الأشرار الذي يحملون بنادق ورشاشات، وفتاوى، ووعوداً بجنات وخلود، تسندهم أقوال منقولة، ونصوص منحولة، يقولون إنها من ربهم الأعلى! كيف يقتلون الحياة؟ ويكذبون على الرب!
"الاتحاد"