ناصر الظاهري
في الدول التي تتعدد فيها الجاليات تظهر المنافسات والتحديات بينها، وحيث فسيفساء التشكيل السكاني المتعدد، تبدأ المنافسة بين الجنسيات من الأشياء الصغيرة مثل من ينال الحظوة عند مسؤول أو المزاحمة في العمل، حتى الأشياء الكبيرة حيث تقاسم المصالح، وخلق النفوذ، والقرب من صنّاع القرار، في هذه الحالة المسكوت عنها، البعض يحاول أن يلغي الآخر، لأنه يعتقد أنه ينافسه في العمل، ويسابقه على فرص النجاح، وطرق الكسب، ويأخذ هذا الصراع أبعاداً حين يتسلم شخص من جنسية معينة مسؤولية عامة، فتجده ينحاز بشكل ملفت للنظر لبني جنسيته على حساب التنوع والمهنية والكفاءة، أما في العمل الخاص فيحرص أن يكون المحاسب أو أمين الصندوق أو الشخص الذي يضع ثقته فيه لتسيير الأمور من جنسيته، والبعض من هذه الجنسيات يفرقون بين من هم من ملتهم أو طائفتهم أو جماعتهم الدينية وبين مواطنيهم الآخرين.
في المجتمعات المتنوعة والمختلطة تأخذ المنافسة بين الجنسيات في الأمور اليومية والعامة والوظيفية طابعاً خفياً ومستتراً، لكنه لا يمكن أن يخفى عن نظر العارفين ببواطن الأشياء، والذين يمكن أن يستغلوا هذا التنافس أو الصراع أحيانا لتحقيق مصالحهم الفردية ومكاسبهم الآنية، ما يظهر من صراع الجنسيات علناً يكون فقط نتيجة التعصب لفريق أو مؤازرة منتخب كروي أو التصويت لفوز فنان من بلدهم، والمسألة الحقيقية في هذا الأمر ليست عدم الثقة في الآخر أو الاطمئنان للقريب دون الغريب، ولا هي مسألة تنفيعية للأخ وابن العم أو ما يفرضه التقارب في الذهنية والثقافة التربوية، كما لا يمكن أن نسميها أجندة وتوصيات يحملونها الأشخاص معهم حينما يغادرون بلدانهم - ما عدا الجماعات والتنظيمات ذات العمل السياسي السري - حيث الانحياز التام لأفراد الجماعة ومستقبل إدامة تمويل مشروعهم غير المعلن، كل المسألة أن الأرض البكر تبدو مشاعاً للبدء والتبكير والتخطيط لجني ثمار هذا السبق، وحصد النجاح، والفائز والسعيد من يقدر أن يبني أساساً وتشكيلاً مجتمعياً ويحتل رقعة وأهمية ومكانة على هذه الأرض، ليبقى أطول مدة ممكنة لاعباً أساسياً في لعبة تنافس الجنسيات أو الجاليات من خلال التواصل والاستمرارية وزيادة النفوذ، وتحويل الكثير من المساعدات والمشاريع الاستثمارية إلى بلدانهم الأصلية، ولو اضطرت بعض الجاليات إلى دعم مواقفها بعلاقاتها الفردية والرسمية.