ناصر الظاهري
بعض الأمور تظل مستعصية على الفهم حتى تجد لها تفسيراً يقنعك، ويطمئن قلبك، ويخفف من قلقك إزاءها، والتي تحدث هكذا، وفجأة، ومن دون مقدمات، وإذا بنفسك وقد تغيرت، وطبيعتك وقد تبدلت، هي لحظات قليلة، ويحدث ذلك الأمر غير المفهوم للنفس، ويصير حالها غير الحال، من هذه الأمور الطاقة الإيجابية، والطاقة السلبية التي تسكن في بعض الأماكن، وتستقر في بعض الأشخاص، تكون في أحسن حالاتك، ولا تشكو بأساً، وتلتقي فجأة بشخص، وتقول في نفسك: «هذا أبليس مسلّطنه عليّ»، فيقول كلمة أو يعلق على أمر ما، فيقبض نفسك التي كانت متوثبة، ويظل يسحب من طاقتها الإيجابية حتى تشعر بالملل والضيق، ثم بعدها يقوم ببث الطاقة السلبية، ولا يقوم من مكانه إلا وأنت «متبريد»، وتشكو ربما هشاشة في العظام، وآلام نفس جسدية، لا تعرف كيف حلّت بك فجأة، من دون أن تدري لها سبباً، وتظل ترجعها لأشياء مرت بك أمس، وأكلات تناولتها دونما أي حساب، غير أن الحقيقة هو ذاك الشخص.
بعض الأماكن ما أن تدخلها حتى تشعر بتلك الطاقة الروحية التي تولدت، ودخلت خلسة إلى نفسك، وجعلتك شخصاً مختلفاً، ثمة فرح، وخليط من السعادة، وشعلة نشاط، وتفاؤل، وبوارق أمل، كثير من النساء لهن طاقة إيجابية، ومحرضة على الحيوية، وحب الحياة، نرى ذلك من خلال تواجد بعض النساء في مكاتب العمل، وورش الشغل، حيث تبصر الحماس، وحينما تحضر فجأة امرأة لمجلس الرجال، كيف يتحول إلى حركة، وبهجة، وأشياء تستدعي الضحك والمزح والتفكك من العقد الذكورية، ويتحول الجميع للعافية، وهناك بعض النساء تطفئ فيك تلك الشعلة المتقدة، كعنكبوت تبث سمها، ولا تكتفي، تماماً مثل بعض الوجوه تقرح قلبك، وتأتيك بالألم في محلك، وتشعرك أن النهاية قريبة، وأنك خلقت لتدفن حياً ومبكراً، غير أن بعض الوجوه، تفرح قلبك، وتجعلك لا تعرف حدوداً للأشياء، وأن كل الفضاءات واعدة، ومبشرة بالجميل.
ثمة طاقة تأتيك من بعيد، ومن زمن آخر، ومن وقت مختلف عن وقتك، لأشخاص عرفتهم، ولأماكن عشقتها، تتواصل معك عن بعد محتفظة لروحها بتلك الظلال الواهبة، المانحة، بعض الأشياء كالورود، توقظ أشياء في النفس بألوانها، السيارات الرياضية، لمَ يعشقها الكثير؟ لأنها تبث في النفس طاقة، كانت مختبئة أو معطلة، فحفزتها على مغادرة القفص الصدري، والانطلاق من حبسة الضلوع، الملابس الرياضية تجعلك خفيفاً كريشة تريد أن تطير، وحدها المعاطف الثقيلة تجلب الكآبة، ورمادية لندن في الشتاءات، لمَ واجهات البيوت البيضاء تدعوك للدخول من دون استئذان؟ والأبواب الخشبية للمنازل توحي بالرحمة، عكس الأبواب الحديدية الموصدة، بعض الرجال يمكنك أن تتبعهم برباطة جأش إلى الهاوية، لتبقى شريفاً بالوقوف معهم، هناك أشياء كثيرة في المرأة، هنا أو هناك تستنطقك، وتجعلك فرحاً كصبي يزاغيه المطر!