ناصر الظاهري
من الأمور التي تميز أهل الدار البساطة المتناهية، وتلك الفطرة الطيبة التي ما برحت تسكن النفوس، يتعاملون مع الكل بأريحية ويمقتون أصحاب التجمل والتودد بقصد المنفعة، لذا يقف شعر الواحد منا حين يسمع شخصاً يكذب، يماري في الكذب حتى نكاد نخجل عنه، وبدلاً منه، فأشد ما يتعبنا أن نرى شخصاً مجاملاً، نكاد نميز لعابه المعسول، ولبنه المسكوب، ونقول: ألا يخجل من نفسه!
العجب من بعض الناس، ممن يتعاطون ويتفاعلون مع القضايا التي تمس ستر المرأة، ولباسها، ووجهها، ومحاولة استعبادها بحق فحولية المذكر على المؤنث، وتأويل نصوص ملكية الرجل وقوامته عليها، حينها يسلّون سيوفهم الغضبى، ويحترقون رغاء وزبداً، غير أنهم وحين تكون قضية وطنية ملحة، لها أبعادها، ومطلوب دعمها ومساندتها، نجدهم تخبت نيران صدور، ويشتغلون بكثرة إسباغ الوضوء، ودوام الدعاء والاستغفار، سبحان مغير «الإخوان»!
الناس أجناس.. والحياة نسيج معقد، بعض الناس في الحياة مثل الحرير، أقل القليل ينثر خيوطهم، جميلين في الطلّة، لمّاعين تلك اللحظة، ناس مثل قطع «الجينز» «ما يعولون ولو تدهجهم ليل، نهار» ولدوا لكي يعانوا، وجلهم صبور شكور، وأقلهم حقود كفور، بعضهم مثل القماش المطاطي، في حلوها يتبعونك إلى آخرها، في مرها يتعبونك من أولها، بعضهم الآخر مثل الصوف لا يتبدلون ولا يتغيرون، في الحلوة بعدك، وفي المرة قبلك، البعض الآخر منهم مثل القطن، يجالدون الحياة إلى حين، ثم يهرمون بهزيمتهم، لا ينفعونك، ولكن تشكرهم لأنهم لم يضروك، وناس هم دفء الشتاء، ونسيم الصيف لا يتكررون!
ليس هناك شيء مثل عيون الناس فضّاحة، ولا تكتم سراً، تستطيع قراءتها منذ اللحظة الأولى، ورغم ذلك الناس لا يتعظون من عيون اللص والخدّاع والمكّار والمنافق، فالعيون التي خلف النظارات المصححة للبعد، والتي تبدو مثل صدفتي محار، لا يمكن أن توحي لك بالاعتماد عليها وقت الملمات، ولو اجتهد أصحابها في محاولة تغيير رأيك، والعيون المدولبة التي لا يمكن أن تستقر في مكان بعينه، يمكنها أن تجعلك في مأمن أو تعطيك شعوراً بالطمأنينة، والعيون ذات النظرات الغائرة التي تشبه عيني أرملة طروب، يمكنها أن توحي لك بالثقة الزائدة، ويمكنك أن تمشي، ولا تتلفت وراءك، عيون ناعسة وعسلية، لكنها لاسعة، عيون برّاقة، لكنها خاطفة وساحرة وسارقة، عيون ترمي بشرر، عيون حمراء، وحدها العيون الصادقة لا يمكنها أن تؤذي، ولا نعرف قراءتها!